لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٠
يقينا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً يعني من غير ظهور آية. وقال الزجاج : القول عندي أن معناه أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لأن اللّه لو يشاء لهدى الناس جميعا. وحاصله أن في معنى الآية قولين :
أحدهما أن يئس بمعنى علم. والقول الثاني : أنه من اليأس المعروف وتقدير القولين ما تقدم وتمسك أهل السنة بقوله أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا على أن اللّه لم يشأ هداية جميع الخلائق وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا يعني من الكفر والأعمال الخبيثة قارِعَةٌ أي نازلة وداهية تقرعهم بأنواع البلايا أحيانا مرة بالجدب، ومرة بالسلب ومرة بالقتل والأسر. وقال ابن عباس : أراد بالقارعة السرايا التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبعثها إليهم أَوْ تَحُلُّ يعني السرايا أو البلية قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ وقيل معناه أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ يعني النصر والفتح وظهور رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودينه وقيل أراد بوعد اللّه يوم القيامة لأن اللّه يجمعهم فيه فيجازيهم بأعمالهم إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ والغرض منه تشجيع قلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإزالة الحزن عنه لعلمه بأن اللّه لا يخلف الميعاد. قوله عز وجل :
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٢ الى ٣٦]
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٣٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ وذلك أن كفار مكة إنما سألوا هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء، فأنزل اللّه هذه الآية تسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمعنى أنهم إنما طلبوا منك هذه الآيات على سبيل الاستهزاء، وكذلك قد استهزئ برسل من قبلك فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني فأمهلتهم وأطلت لهم المدة ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ يعني بالعذاب بعد الإمهال فعذبتهم في الدنيا بالقحط والقتل والأسر وفي الآخرة بالنار فَكَيْفَ كانَ عِقابِ يعني فكيف كان عقابي لهم أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ يعني أفمن هو حافظها ورازقها وعالم بها وبما عملت من خير وشر ويجازيها بما كسبت فيثيبها إن أحسنت، ويعاقبها إن أساءت وجوابه محذوف، وتقديره كمن ليس بقائم بل هو عاجز عن نفسه ومن كان عاجزا عن نفسه فهو عن غيره أعجز وهي الأصنام التي لا تضر ولا تنفع وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ يعني وهو المستحق للعبادة لا هذه الأصنام التي جعلوها للّه شركاء قُلْ سَمُّوهُمْ يعني له. وقيل :
صفوهم بما يستحقون ثم انظروا هل هي أهل لأن تعبد أَمْ تُنَبِّئُونَهُ يعني أم تخبرون اللّه بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ يعني أنه لا يعلم أن لنفسه شريكا من خلقه وكيف يكون المخلوق شريكا للخالق وهو العالم بما في السموات والأرض ولو كان لعلمه والمراد من ذلك نفي العلم بأن يكون له شريك أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ يعني أنهم يتعلقون بظاهر من القول مسموع وهو في الحقيقة باطل لا أصل له وقيل : معناه بل بظن من القول لا يعلمون حقيقته بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ قال ابن عباس : زين لهم الشيطان الكفر وإنما فسر المكر بالكفر لأن مكرهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كفر منهم والمزين في الحقيقة هو اللّه تعالى لأنه هو الفاعل المختار على الإطلاق