لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٠٩
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى يعني تطهر من الذنوب، وقيل أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا اللّه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» أخرجه الترمذي.
قوله وأنعما يقال أحسن فلان إلى فلان وأنعم يعني أفضل وزاد في الإحسان، والمعنى أنهما منهم وزادوا تناهيا إلى غايته.
قوله تعالى وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي يعني أسر بهم ليلا من أرض مصر فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً يعني اجعل لهم طريقا فِي الْبَحْرِ بالضرب بالعصا يَبَساً يعني يابسا ليس فيه ماء ولا طين وذلك أن اللّه تعالى أيبس لهم الطريق في البحر لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى يعني لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى أن يغرقك البحر أمامك فَأَتْبَعَهُمْ يعني فلحقهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ يعني أصابهم مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وهو الغرق وقيل علاهم وسترهم من اليم ما لم يعلم كنهه إلا اللّه تعالى فغرق فرعون وجنوده ونجا موسى وقومه وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى يعني وما أرشدهم وهو تكذيب لفرعون في قوله وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ.
قوله عز وجل يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ذكرهم اللّه النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم وفيما وعد موسى من المناجاة بجانب الطور وكتب التوراة في الألواح. وإنما قال وواعدناكم لأنها اتصلت بهم حيث كانت لنبيهم، ورجعت منافعها إليهم وبها قوام دينهم وشريعتهم وفيها أفاض اللّه عليهم من سائر نعمه وأرزاقه كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ قال ابن عباس لا تظلموا، وقيل لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين، وقيل لا تتقووا بنعمتي على المعاصي، وقيل لا تدخروا فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي يعني يجب عليكم غضبي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى يعني هلك وسقط في النار وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ قال ابن عباس تاب عن الشرك وَآمَنَ يعني وحد اللّه وصدق رسوله وَعَمِلَ صالِحاً يعني أدى الفرائض ثُمَّ اهْتَدى قال ابن عباس علم أن ذلك توفيق من اللّه تعالى، وقيل لزم الإسلام حتى مات عليه، وقيل علم أن لذلك ثوابا، وقيل أقام على السنة. قوله عز وجل وَما أَعْجَلَكَ يعني وما حملك على العجلة عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلا يذهبون معه إلى الطور ليأخذوا التوراة. فسار بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه، وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال اللّه له وما أعجلك عن قومك يا موسى؟ فأجاب ربه ف قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي أي هم بالقرب مني يأتون على أثري من بعدي.
فإن قلت لم يطابق السؤال الجواب فإنه سأله عن سبب العجلة فعدل عن الجواب، فقال هم أولاء بأنه لم يوجد منه إلا تقدم سيره ثم أعقبه بجواب السؤال فقال وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى أي لتزداد رضا قالَ فَإِنَّا قَدْ