لباب التأويل، ج ٣، ص : ٢٥٥
فحجوا» يَأْتُوكَ رِجالًا أي مشاة على أرجلهم جمع راجل وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ أي ركبانا على الإبل المهزولة من كثرة السير وبدأ بذكر المشاة تشريفا لهم يَأْتِينَ أي جماعة الإبل مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أي من كل طريق بعيد فمن أتى مكة حاجا فكأنه قد أتى إبراهيم لأنه مجيب نداءه.
قوله تعالى لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ قيل العفو والمغفرة وقيل : التجارة وقال ابن عباس : الأسواق وقيل ما يرضى به اللّه من أمر الدنيا والآخرة وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ يعني عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين قيل لها معلومات للحرص عليها من أجل وقت الحج في آخرها. وعن ابن عباس أنها أيام عرفة والنحر وأيام التشريق وقيل : إنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ يعني الهدايا والضحايا من النعم وهي الإبل والبقر والغنم وفيه دليل على أنّ الأيام المعلومات يوم النحر وأيام التشريق لأنه التسمية على بهيمة الأنعام عند نحرها ونحر الهدايا يكون في هذه الأيام فَكُلُوا مِنْها أمر إباحة ليس بواجب وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئا فأمر اللّه بمخالفتهم. واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعا يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع لما روى عن جابر بن عبد اللّه في قصة تطوعا يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع لما روى عن جابر بن عبد اللّه في قصة حجة الوداع قال «و قدم علي ببدن من اليمن وساق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مائة بدنة فنحر منها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثا وستين بدنة ونحر علي ما غبر وأشركه في بدنه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها» أخرجه مسلم قوله ما غبر أي ما بقي قوله ببضعة أي بقطعة. واختلف العلماء في الهدي الواجب بالشرع مثل دم التمتع والقرآن والدم الواجب بإفساد الحج وفوته وجزاء الصيد هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئا قال الشافعي : لا يأكل منه شيئا وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر وقال ابن عمر : لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل مما سوى ذلك وبه قال أحمد وإسحاق.
وقال مالك يأكل من هدي التمتع ومن كل هدي وجب عليه إلّا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور وعند أصحاب الرأي أنه يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما. وقوله تعالى وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ يعني الزمن الذي لا شيء له وقوله تعالى :
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ أي ليزيلوا أدرانهم وأوساخهم والمراد منه الخروج عن الإحرام بالحلق وقص الشارب ونتف الإبط وقلم الأظفار والاستحداد ولبس الثياب والحاج أشعث أغبر إذا لم يزل هذه الأوساخ. وقال ابن عمر وابن عباس : قضاء التفث مناسك الحج كلها وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ أراد نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من شيء يكون في الحج أي ليتموها بقضائها. وقيل المراد منه الوفاء بما نذر وهو على ظاهره وقيل : أراد به الخروج عمّا وجب عليه نذره أو لم ينذره وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أراد به طواف الواجب وهو طواف الإفاضة ووقته يوم النحر بعد الرمي والحلق. والطواف ثلاثة طواف القدوم وهو أنّ من قدم مكة يطوف بالبيت سبعا يرمل ثلاثا من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ويمشي أربعا وهذا الطواف سنة لا شيء على من تركه (ق) عن عائشة :«إن أول شيء بدأ به حين قدم النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة ثم حجّ أبو بكر وعمر مثله» (ق) عن ابن عمر «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا طاف الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا». زاد في رواية «ثم يصلي ركعتين يعني بعد الطواف بالبيت ثم يطوف بين الصفا والمروة». ولفظ أبي داود «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا طاف في الحج أو


الصفحة التالية
Icon