لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣١٦
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «الماء طهور لا ينجسه شي ء» وقوله تعالى :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٩ الى ٥٧]
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)
لِنُحْيِيَ بِهِ أي بالمطر بَلْدَةً مَيْتاً قيل : أراد به موضع البلدة وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أي نسقي من ذلك الماء أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً أي بشرا كثيرا والأناسي جمع إنسي وقيل جمع إنسان قوله عز وجل وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ يعني المطر مرة ببلدة ومرة ببلدة أخرى وقال ابن عباس ما عام بأمطر من عام ولكن اللّه يصرفه في الأرض وقرأ هذه الآية، وهذا كما روي مرفوعا «ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه اللّه حيث يشاء» وروي عن ابن مسعود يرفعه، قال : ليس من سنة بأمطر من سنة أخرى ولكن اللّه عزّ وجلّ قسم هذه الأرزاق فجعلها في هذه السماء الدنيا في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم، ووزن معلوم وإذا عمل قوم بالمعاصي حول اللّه ذلك إلى غيرهم وإذا عصوا جميعا صرف اللّه ذلك المطر إلى الفيافي والبحار، وقيل : المراد من تصريف المطر تصريفه وابلا وطشا ورذاذا ونحوها وقيل التصريف راجع إلى الريح لِيَذَّكَّرُوا أي ليتذكروا ويتفكروا في قدرة اللّه تعالى فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً أي جحودا في كفرهم هو أنهم إذا مطروا قالوا أمطرنا بنوء كذا (ق) عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال «هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا اللّه ورسوله أعلم قال أصبح عن عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل اللّه ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» قوله تعالى : وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً أي رسولا ينذرهم ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحملناك ثقل النذارة لتستوجب بصبرك ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ فيما يدعونك إليه من موافقتهم و
مداهنتهم وَجاهِدْهُمْ بِهِ أي بالقرآن جِهاداً كَبِيراً أي شديدا. قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي خلطهما وأفاض أحدهما على الآخر وقيل أرسلهما في مجاريهما هذا عَذْبٌ فُراتٌ أي شديد العذوبة يميل إلى الحلاوة وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي شديد الملوحة وقيل مر وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً أي حاجزا بقدرته فلا يختلط العذب بالملح ولا الملح بالعذب وَحِجْراً مَحْجُوراً أي سترا ممنوعا فلا يبغي أحدهما على الآخر ولا يفسد الملح العذب. قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ أي من النطفة بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً أي جعله ذا نسب وصهر وقيل النسب ما لا يحل نكاحه والصهر ما يحل نكاحه والنسب ما يوجب الحرمة والصهر ما لا يوجبها وقيل النسب من القرابة والصهر الخلطة التي تشبه القرابة وهو النسب المحرم للنكاح وقد حرم اللّه بالنسب سبعا وبالسبب سبعا ويجمعها قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ الآية وقد تقدم تفسير ذلك وبيانه في تفسير سورة النساء وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً على ما أراد حيث خلق من النطفة الواحدة نوعين من البشر الذكر والأنثى وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني هؤلاء المشركين ما لا يَنْفَعُهُمْ أي إن عبدوه وَلا يَضُرُّهُمْ أي