لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٦٣
إحداهما فلي والأمر بيننا على ذلك أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ أي أيّ الأجلين أتممت وفرغت منه الثمانية أو العشرة فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أي لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منه وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ قال ابن عباس شهيد بيني وبينك (خ) عن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى؟ قلت لا أدري حتى أقدم على خير العرب فاسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال : قضي أكثرهما وأطيبهما لأن رسول اللّه إذا قال فعل وروي عن أبي ذر مرفوعا :«إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما وإذا سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت يا أبت استأجره فتزوج صغراهما وقضى أوفاهما». وقال وهب أنكحه الكبرى وروى شداد بن أوس مرفوعا بكى شعيب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتى عمي فرد اللّه عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد اللّه عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد اللّه عليه بصره فقال اللّه له : ما هذا البكاء أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار فقال : لا يا رب ولكن شوقا إلى لقائك فأوحى اللّه إليه إن يكن ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك كليمي موسى ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصاه يدفع بها السباع عن غنمة قيل كانت من آس الجنة حملها آدم معه فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته فصارت من آدم إلى نوح ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى.
ثم إن موسى لما قضى الأجل سلم شعيب إليه ابنته فقال لها موسى اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها ذلك فقال لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها وقيل إن شعيبا أراد أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراما وصلة لابنته فقال له : إني قد وهبت لك ولد أغنامي كل أبلق وبلقاء في هذه السنة فأوحى اللّه تعالى إلى موسى في النوم أن اضرب بعصاك الماء، ثم اسق الأغنام منه ففعل ذلك فما أخطأت واحدة إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن هذا رزق ساقه اللّه إلى موسى وامرأته فوفى له بشرطه وأعطاه الأغنام.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٩ الى ٣٥]
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣)
وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥)
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ أي أتمه وفرغ منه وَسارَ بِأَهْلِهِ قيل مكث موسى بعد الأجل عند شعيب عشر سنين أخرى ثم استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فسار بأهله أي بزوجته قاصدا إلى مصر آنَسَ أي أبصر مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً وذلك أنه كان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أي عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ أي قطعة وشعلة من النار وقيل : الجذوة العود الذي اشتعل بعضه لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي تستدفئون فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ


الصفحة التالية
Icon