لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٧٠
بالشقاوة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قوله عز وجل قُلْ أي قل يا محمد لأهل مكة أَرَأَيْتُمْ يعني أخبروني إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً أي دائما إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا نهار فيه مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أي بنهار تطلبون فيه المعيشة أَفَلا تَسْمَعُونَ أي سماع فهم وقبول قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي لا ليل فيه مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ أي ما أنتم عليه من الخطأ قيل إن من نعمة اللّه تعالى على الخلق أن جعل الليل والنهار يتعاقبان لأن المرء في حال الدنيا وفي حال التكليف مدفوع إلى التعب ليحصل ما يحتاج إليه ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار ولأجله يحصل الاجتماع فتمكن المعاملات ومعلوم أن ذلك لا يتم إلا بالراحة والسكون بالليل فلا بد منهما فأما في الجنة فلا تعب ولا نصب فلا حاجة بهم إلى الليل ولذلك يدوم لهم الضياء أبدا فبين اللّه تعالى أنه القادر على ذلك ليس غيره فقال وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي يتعاقبان بالظلمة والضياء لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي في الليل وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي بالنهار وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي نعم اللّه فيهما وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ كرر ذلك النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ وَنَزَعْنا يعني أخرجنا وقيل ميزنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يعني رسولهم يشهد عليهم بأنه بلغهم رسالة ربهم ونصح لهم فَقُلْنا يعني للأمم المكذبة لرسلهم هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي حجتكم بأن معي شريكا فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ أي التوحيد للّه وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي يختلقون في الدنيا من الكذب على اللّه.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٦ الى ٧٩]
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩)
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى قيل كان ابن عم موسى لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وموسى بن عمران بن قاهث. وقيل كان عم موسى ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ منه للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري فَبَغى عَلَيْهِمْ قيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فظلمهم وبغى عليهم وقيل بغى عليهم بكثرة ماله وقيل زاد في طول ثيابه شبرا (ق) عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا ينظر اللّه يوم القيامة إلى من جر ثيابه خيلاء». أخرجاه في الصحيحين وقيل بغى عليهم بالكبر والعلو وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ جمع مفتح وهو الذي يفتح به الباب وقيل مفاتحه يعني خزائنه لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ معناه لثقلهم وتميل بهم إذا حملوها لتثقلها. قيل العصبة ما بين العشرة إلى الخمسة عشر وقال ابن عباس : ما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى الأربعين. وقيل إلى السبعين قال ابن عباس : كان يحمل مفاتيحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال وقيل كان قارون أينما ذهب تحمل معه مفاتيح كنوزه وكانت من حديد فلما كثرت وثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت فجعلها من جلود البقر كل مفتاح على قدر الأصبع وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ يعني لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون اللّه على ما أعطاهم قيل إنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها فأما من يعلم أنه سيفارق الدنيا عن قريب لم يفرح ولقد أحسن من قال :