لباب التأويل، ج ٣، ص : ٣٧٣
فأوحى اللّه إلى موسى ما أغلظ قلبك يستغيث بك قارون سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعا لأحد.
قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قرارها إلى يوم القيامة وأصبح بنو إسرائيل يقولون فيما بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا اللّه موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله تعالى فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يعني جماعة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني يمنعونه من اللّه وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ من الممتنعين مما نزل به من الخسف وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يعني صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه اللّه من الأموال والزينة يندمون على ذلك التمني يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ألم تعلم وقيل ألم تر. وقيل هي كلمة تقرير معناها أما ترى صنع اللّه وإحسانه وقيل ويك، بمعنى ويلك اعلم أن اللّه. وروي أن وي مفصولة من كأن والمعنى أن القوم ندموا فقالوا متندمين على ما سلف منهم وي وكأن معناها أظن وأقدر أن اللّه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ قال ابن عباس أي يوسع لمن يشاء ويضيق على من يشاء لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا أي بالإيمان لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨٣ الى ٨٨]
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧)
وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ أي استكبارا عن الإيمان وقيل علوا واستطالة على الناس وتهاونا بهم وقيل يطلبون الشرف والعز عند ذي سلطان وعن علي أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة وأهل المقدرة وَلا فَساداً قيل الذين يدعون إلى غير عبادة اللّه تعالى وقيل أخذ أموال الناس بغير حق وقيل العمل بالمعاصي وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أي العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب اللّه بأداء أوامره واجتناب نواهيه وقيل عاقبة المتقين الجنة مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ تقدم تفسيره. قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أي أنزل عليك القرآن وقيل معناه أوجب عليك العمل بالقرآن لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قال ابن عباس إلى مكة. أخرجه البخاري عنه قال القتيبي : معاد الرجل بلده لأنه ينصرف فيعود إلى بلده وذلك أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لما خرج من الغار مهاجرا إلى المدينة سار على غير الطريق مخافة الطلب فلما أمن رجع في الطريق ونزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها فأتاه جبريل عليه السلام وقال له : أتشتاق إلى بلدك؟ قال نعم قال : فإن اللّه تعالى يقول الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية. وقال ابن عباس أيضا لرادك إلى الموت وقيل إلى القيامة، وقيل إلى الجنة قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إنك لفي ضلال مبين فقال اللّه تعالى لهم رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى يعني نفسه وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني المشركين ومعناه هو أعلم بالفريقين.
قوله عز وجل وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ أي يوحى إليك


الصفحة التالية
Icon