لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤١٦
ضربه فوثب على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاستمروا راجعين إلى بلادهم. قال : فرجعت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي فلما سلم أخبرته فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل، فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفء فأدفأني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأنا مني عند رجليه وألقى عليّ طرف ثوبه وألصق صدري ببطن قدميه، فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت، قال : قم يا نومان فذلك قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١٠]
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أي من فوق الوادي من قبل المشرق وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود قريظة وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة عليهم أبو سفيان بن حرب من قريش ومن تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق وكان الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني النضير من ديارهم وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ أي مالت وشخصت من الرعب وقيل مالت عن كل شيء فلم تنظر إلى عدوها وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع والحنجرة جوف الحلقوم، وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف، وقيل معناه أنهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته وإذا انتفخت رئته رفعت القلب إلى الحنجرة فلهذا يقال :
للجبان انتفخ سحره وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أي اختلفت الظنون باللّه فظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١١ الى ١٨]
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (١٥)
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨)
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ أي عند ذلك اختبر المؤمنون بالحصر والقتال ليتبين المخلصون من المنافقين وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً أي حركوا حركة شديدة وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ يعني معتب بن قشير وقيل عبد اللّه بن أبيّ وأصحابه وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك وضعف اعتقاد ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً هو قول أهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا هو الغرور. قوله تعالى وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أي من المنافقين وهم أوس بن قيظي وأصحابه يا أَهْلَ يَثْرِبَ يعني يا أهل المدينة وقيل يثرب اسم الأرض ومدينة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في ناحية منها سميت يثرب باسم رجل من العماليق كان قد نزلها في قديم الزمان. وفي بعض الأخبار أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن تسمى المدينة يثرب وقال هي طيبة كأنه كره هذه اللفظة


الصفحة التالية
Icon