لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٣٢
أم شريك بنت جابر : من بني أسد وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سليم. وقوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ أي أوجبنا على المؤمنين فِي أَزْواجِهِمْ أي من الأحكام وهو أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وهذا يرجع إلى أول الآية معناه أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لكي لا يكون عليك ضيق وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً أي للواقع في الحرج رَحِيماً أي بالتوسعة على عبادة.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥١ الى ٥٢]
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)
قوله تعالى تُرْجِي يعني تؤخر مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ أي تضم إليك مَنْ تَشاءُ قيل هذا للقسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبة عليه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه الوجوب وصار الاختيار إليه فيهن، وقيل نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وطلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن شهرا حتى نزلت آية التخيير فأمره اللّه تعالى أن يخيرهن فمن اختارت الدنيا فارقها، ويمسك من اختارت اللّه ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينكحن أبدا وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ويرجي من يشاء فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعضهن، دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والكسوة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط. واختلفوا في أنه هل أخرج أحدا منهن من القسم فقال بعضهم : لم يخرج أحدا بل كان صلّى اللّه عليه وسلّم مع ما جعل اللّه له من ذلك يسوي بينهن في القسم، إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم، وجعلت يومها لعائشة وقيل : أخرج بعضهن.
روي عن أبي رزين، قال : لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقن فقلن يا نبي اللّه اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا فأرجى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعضهن، وآوى إليه بعضهن فكان ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وكان يقسم بينهن سواء وأرجى منهن خمسا أم حبيبة وميمونة وسودة وجويرة وصفية، فكان يقسم لهن ما يشاء وقال ابن عباس تطلق من تشاء منهن، وتمسك من تشاء وقال الحسن : تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من النساء قال وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقيل تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها (ق) عن عروة قال : كانت خولة بنت حكيم من اللاتي، وهبن أنفسهن للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجي من تشاء منهن قلت يا رسول اللّه ما أرى ربك إلا يسارع في هواك وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ أي طلبت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسمة فَلا جُناحَ عَلَيْكَ أي لا إثم عليك فأباح اللّه له ترك القسم، لهن، حتى إنه ليؤخر من يشاء منهن في نوبتها ويطأ من يشاء منهن في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزل منهن، تفضيلا له على سائر الرجال ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ أي ذلك التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من اللّه تعالى وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ أي أعطيتهن كُلُّهُنَّ من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ أي من أمر النساء والميل إلى بعضهن وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً أي مما في ضمائركم حَلِيماً أي عنكم.
قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أي من بعد هؤلاء التسع اللاتي اخترنك وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما