لباب التأويل، ج ٣، ص : ٤٣٣
خيرهن فاخترن اللّه ورسوله شكر اللّه لهن ذلك وحرم عليه النساء سواهن، ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، قاله ابن عباس : واختلفوا هل أبيح له النساء بعد ذلك فروي عن عائشة أنها قالت «ما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أحل له النساء» أخرجه الترمذي.
وقال حديث حسن صحيح، وللنسائي عنها «حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما يشاء» وقال أنس «مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على التحريم» وقيل لأبي بن كعب لو مات نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أكان يحل له أن يتزوج قال : وما يمنعه من ذلك قيل له قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قال : إنما أحل له ضربا من النساء فقال تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الآية ثم قال لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وقيل معنى الآية لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ أي بالمسلمات غيرهن من الكتابيات، لأنه لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك أي من الكتابيات فتسري بهن وقيل في قوله وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل عن امرأتي فأنزل اللّه تعالى وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ أي تبادل بهن من أزواج أي تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته فحرم ذلك إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ أي لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت، فأما الحرائر فلا وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ يعني ليس لك أن تطلق أحد من نسائك، وتنكح بدلها أخرى، ولو أعجبك جمالها، قال ابن عباس : يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب لما استشهد جعفر أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخطبها فنهي عن ذلك إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ قال ابن عباس :
ملك بعد هؤلاء مارية وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً أي حافظا وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء، ويدل عليه ما روى عن جابر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» أخرجه أبو داود. (م) عن أبي هريرة «أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا» قال الحميدي : يعني هو الصغر عن المغيرة بن شعبة قال :«خطبت امرأة فقال لي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم هل نظرت إليها قلت : لا قال فانظر إليها فانه أحرى أن يؤدم بينكما» أخرجه الترمذي : وقال حديث حسن. قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (٥٣)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الآية قال أكثر المفسرين نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ق) عن أنس بن مالك : أنه كان ابن عشر سنين مقدم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، قال فكانت أم هانئ تواظبني على خدمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فخدمته عشر سنين وتوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا ابن عشرين سنة، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما نزل في مبتنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بزينب بنت جحش حين أصبح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأطالوا المكث فقام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ورجعت، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة، وظن أنهم قد خرجوا فرجع