لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٦١
وقوله تعالى : وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً يعني خيبر.
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠)
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها يعني من أموال أهل خيبر وكانت خيبر ذات نخيل وعقار وأموال فقسمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً يعني منيعا كامل العزة غنيا عن إعانتكم حَكِيماً حيث حكم لكم بالغنائم ولأعدائكم بالهلاك على أيديكم.
قوله تعالى : وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها يعني المغانم التي تغنمونها من الفتوحات التي تفتح لكم إلى يوم القيامة فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعني مغانم خيبر وفيه إشارة إلى كثرة الفتوحات والغنائم التي يعطيهم اللّه عز وجل في المستقبل وإنما عجل لهم هذه كعجالة الراكب أعجلها اللّه لكم وهي في جنب ما وعدكم اللّه به من الغنائم كالقليل من الكثير وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما قصد خيبر وحاصر أهلها، همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكف اللّه عز وجل أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. وقيل : المعنى إن اللّه عز وجل كف أيدي أهل مكة بالصلح عنكم لتمام المنّة عليكم وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ هو عطف على ما تقدم تقديره، فعجل لكم الغنائم لتنتفعوا بها، ولتكون آية للمؤمنين. يعني :
ولتحصل من بعدكم آية تدلهم على أن ما وهبكم اللّه يحصل مثله لهم. وقيل : لتكون آية للمؤمنين دالة على صدق الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في إخباره عن الغيوب، فيزدادوا يقينا إلى يقينهم ويعلموا أن اللّه هو المتولي حياطتهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً يعني ويهديكم إلى دين الإسلام ويثبتكم عليه ويزيدكم بصيرة ويقينا بصلح الحديبية وفتح خيبر.
(ذكر غزوة خيبر) وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج إلى خيبر في بقية المحرم سنة سبع (ق). عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا غزا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم. وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم. قال : فخرجنا إلى خيبر فلما انتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال فخرجوا علينا بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا محمد والخميس فلما رآهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «اللّه أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (م) عن سلمة بن الأركع قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم :
تاللّه لولا اللّه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من هذا؟» قال : أنا عامر. قال :«غفر لك ربك» قال : وما استغفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لإنسان يخصه إلا استشهد. قال : فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له : يا نبي اللّه لولا متعتنا بعامر. قال :
فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلتهب