لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٨٢
فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام ولم يهيئ شيئا لهما فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئا. قال : لا غلبتني عيناي فنمت قالا له : انطلق إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسأله طعاما فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له : إن كان عنده فضل طعام وأدم فليعطك وكان أسامة خازن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى رحله فأتاه فقال ما عندي شيء فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا كان عند أسامة طعام ولكن بخل فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لهما : ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ قالا : واللّه يا رسول اللّه ما تناولنا يومنا هذا لحما. قال : ظللتما تأكلان لحم سلمان وأسامة فأنزل اللّه عز وجل : يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن يعني أن يظن بأهل الخير سوءا فنهى اللّه المؤمن أن يظن بأخيه المؤمن شرا وقيل هو أن يسمع من أخيه المسلم كلاما لا يريد به سوءا أو يدخل مدخلا لا يريد به سوءا فيراه أخوه المسلم فيظن شرا لأن بعض الفعل قد يكون في الصورة قبيحا وفي نفس الأمر لا يكون كذلك لجواز أن يكون فاعله ساهيا أو يكون الرائي مخطئا فأما أهل السوء والفسق المجاهرون بذلك فلنا أن نظن فيهم مثل الذي يظهر منهم إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. قال سفيان الثوري : الظن ظنان : أحدهما : إثم، وهو أن يظن ويتكلم به والآخر ليس بإثم وهو أن يظن ولا يتكلم به.
وقيل : الظن أنواع فمنه واجب ومأمور به وهو الظن الحسن باللّه عز وجل ومنه مندوب إليه وهو الظن الحسن بالأخ المسلم الظاهر العدالة ومنه حرام محظور وهو سوء الظن باللّه عز وجل وسوء الظن بالأخ المسلم وَلا تَجَسَّسُوا أي لا تبحثوا عن عيوب الناس نهى اللّه عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى يظهر على ما ستره اللّه منها (ق).
عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد اللّه إخوانا كما أمركم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا التقوى هاهنا ويشير إلى صدره التقوى هاهنا.
التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله إن اللّه لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم»
التجسس بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر ومنه الجاسوس وبالحاء هو الاستماع إلى حديث الغير. وقيل : معناهما واحد وهو طلب الأخبار. وقوله : ولا تنافسوا أي لا ترغبوا فيما يرغب فيه الغير من أسباب الدنيا وحظوظها والحسد تمني زوال النعمة عن صاحبها. قوله : ولا تدابروا أي لا يعطي كل واحد منكم أخاه دبره وقفاه فيعرض عنه ويهجره.
عن ابن عمر قال :«صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عن عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع اللّه عورته ومن يتبع اللّه عورته يفضحه ولو في جوف رحله». قال نافع : ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك. والمؤمن أعظم حرمة عند اللّه منك أخرجه الترمذي. وقال : حديث حسن غريب عن زيد بن وهب. قال : أتى ابن مسعود فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا. فقال عبد اللّه : إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر إلينا شيء نأخذ به أخرجه أبو داود وله عن عقبة بن عامر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة» (م) عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره اللّه يوم القيامة».


الصفحة التالية
Icon