لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٢٢
قوله عز وجل : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ يعني المشركين فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ قيل في بعد عن الحق وسعر أي نار تسعر عليهم.
وقيل : في ضلال في الدنيا ونار مسعرة في الآخرة. وقيل : في ضلال، أي عن طريق الجنة وسعر أي عذاب الآخرة ثم بين عذابهم فقال تعالى : يَوْمَ يُسْحَبُونَ أي يجرون فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ويقال لهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي ذوقوا أيها المكذبون لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم مس سقر.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٩ الى ٥١]
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أي مقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ. وقيل : معناه قدر اللّه لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له. وقال ابن عباس : كل شيء بقدر حتى وضعك يدك على خدك.
(فصل في سبب نزول الآية وما ورد في القدر وما قيل فيه) (م) «عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : كتب اللّه مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» قال وعرشه على الماء (م).
عن أبي هريرة قال :«جاء مشركو قريش إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآية إِنَّالْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ
إلى قوله إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (م) عن طاوس قال : أدركت ناسا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقولون : كل شيء بقدر اللّه تعالى قال : وسمعت عبد اللّه بن عمر يقول : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز».
عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر» أخرجه الترمذي. وله عن جابر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد اللّه بن ميمون وهو منكر الحديث. وفي حديث جبريل المتفق عليه : وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال : صدقت ففيه ذم القدرية.
عن حذيفة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوه وهم من شيعة الدجال وحق على اللّه أن يلحقهم بالدجال».
أخرجه أبو داود وله عن أبي هريرة مثله «و زاد فلا تجالسوهم ولا تفاتحوهم في الكلام».
وعن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة والقدرية» أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب.
وروى ابن الجوزي في تفسيره عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «إذا جمع اللّه الخلائق يوم القيامة أمر مناديا فينادي نداء يسمعه الأولون والآخرون أي خصماء اللّه فتقوم القدرية فيأمر بهم إلى النار يقول اللّه ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر».
قال ابن الجوزي : وإنما قيل : خصماء اللّه، لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد ثم يعذبه عليها. وروي عن الحسن قال : واللّه لو أن قدريا صام حتى يصير كالحبل، وصلّى حتى يصير كالوتر،