لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٩
فَآمَنُوا يعني الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ أي إلى انقضاء آجالهم.
قوله عز وجل : فَاسْتَفْتِهِمْ أي فسل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات اللّه.
والمعنى جعلوا للّه البنات ولهم البنين وذلك باطل لأن العرب كانوا يستنكفون من البنات والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف ينسب للخالق أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ أي حاضرون خلقنا إياهم أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ أي من كذبهم لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ أي في زعمهم وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي فيما زعموا أَصْطَفَى الْبَناتِ أي في زعمكم عَلَى الْبَنِينَ وهو استفهام توبيخ وتقريع ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أي بالبنات للّه ولكم بالبنين أَفَلا تَذَكَّرُونَ أي أفلا تتعظون أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ أي برهان بين على أن للّه ولدا فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ
يعني الذي لكم فيه حجة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
أي في قولكم وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً قيل أراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار.
قال ابن عباس هم حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس قالوا هم بنات اللّه فقال لهم أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن.
وقيل معنى النسب أنهم أشركوا في عبادة اللّه تعالى.
وقيل هو قول الزنادقة الخير من اللّه والشر من الشيطان وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ يعني قائلي هذا القول لَمُحْضَرُونَ أي في النار سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ نزه اللّه تعالى نفسه عما يقولون إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ هذا استثناء من المحضرين والمعنى أنهم لا يحضرون.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٦١ الى ١٧١]
فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١)
فَإِنَّكُمْ يعني يا أهل مكة وَما تَعْبُدُونَ أي من الأصنام ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ أي على ما تعبدون بِفاتِنِينَ أي بمضلين أحدا إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ أي إلا من سبق له في علم اللّه تعالى الشقاوة وأنه سيدخل النار.
قوله تعالى إخبارا عن حال الملائكة وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ يعني أن جبريل قال للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم يعبد ربه فيه. وقال ابن عباس ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح. وروى أبو ذر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته للّه ساجدا» أخرجه الترمذي. وهو طرف من حديث قيل الأطيط أصوات الأقتاب وقيل أصوات الإبل وحنينها، ومعنى الحديث ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا مثل مؤذن بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط وقيل معنى إلا له مقام معلوم أي في القرب والمشاهدة وقيل يعبد اللّه على مقامات مختلفة كالخوف والرجاء والمحبة والرضا وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ يعني الملائكة صفوا أقدامهم في عبادة اللّه تعالى كصفوف الناس في الصلاة في الأرض وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ أي المصلون للّه تعالى وقيل المنزهون للّه تعالى عن كل سوء يخبر جبريل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنهم يعبدون اللّه بالصلاة والتسبيح وأنهم ليسوا بمعبودين كما زعمت الكفار قوله عز وجل : وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ يعني كفار مكة قبل بعثة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني كتابا مثل كتاب الأولين لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي لأخلصنا العبادة للّه فَكَفَرُوا بِهِ أي فلما