لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٩٨
أحلام شبههم بالخشب المسندة إلى جدر وليست بأشجار مثمرة ينتفع بها يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ يعني أنهم لا يسمعون صوتا في العسكر بأن ينادي مناد أو تنفلت دابة أو تنشد ضالة إلا ظنوا من خبثهم وسوء ظنهم أنهم يرادون بذلك وظنوا أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب وقيل إنهم على خوف ووجل من أن ينزل فيهم أمر يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وتم الكلام عند قوله عليهم ثم ابتدأ فقال تعالى : هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ أي لا تأمنهم فإنهم وإن كانوا معك ويظهرون تصديقك أعداء لك فاحذرهم ولا تأمنهم على سرك لأنهم عيون لأعدائك من الكفار ينقلون إليهم أسرارك قاتَلَهُمُ اللَّهُ أي لعنهم اللّه أَنَّى يُؤْفَكُونَ أي يصرفون عن الحق.
قوله تعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ أي أمالوها وأعرضوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ أي يعرضون عما دعوا إليه وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ أي عن استغفار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لهم سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أي يا محمد أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).
(ذكر القصة : في سبب نزول هذه الآية) قال محمد بن إسحاق وغيره من أصحاب السير إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلغه أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار وهو أبو جويرية زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلما سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحم الناس واقتتلوا فهزم اللّه تعالى بني المصطلق وأمكن منهم وقيل من قتل منهم ونقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها عليهم فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين وأعان جهجاها رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا فقال عبد اللّه بن أبي الجعال وإنك لهناك فقال جعال وما يمنعني أن أفعل ذلك فغضب عبد اللّه بن أبي وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم وهو غلام حديث السن فقال عبد اللّه بن أبي افعلوها قد نافرونا وكاثرنا في بلادنا واللّه ما مثلنا زائدة ومثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما واللّه لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولتحولوا إلى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فقال زيد بن أرقم أنت واللّه الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم في عز من الرّحمن ومودة من المسلمين فقال عبد اللّه بن أبي اسكت لقد كنت ألعب فمشى زيد بن أرقم إلى رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم وذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال دعني أضرب عنقه يا رسول اللّه قال كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرتحل فيها فارتحل الناس وأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عبد اللّه بن أبي فأتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني فقال عبد اللّه بن أبي والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب وكان عبد اللّه في قومه شريفا عظيما فقال من حضر من الأنصار من أصحابه يا رسول اللّه عسى أن يكون الغلام قد وهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفشت الملامة لزيد في الأنصار وكذبوه وقال له عمه وكان زيد معه ما أردت إلى أن كذبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والناس ومقتوك وكان زيد يساير النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فاستحيا بعد ذلك أن يدنو من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلما استقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو ما بلغك ما قال صاحبك


الصفحة التالية
Icon