لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣١٤
فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك فو اللّه إن أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت أتراجعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقالت نعم فقلت أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت نعم قلت لقد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت أفتأمن إحداكن أن يغضب اللّه عليها لغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا هي قد هلكت لا تراجعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منك يريد عائشة وكان لي جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينزل يوما ويأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك وكنا نتحدث أن غسان تبعث الخيل لتغزونا فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته ثم أتاني عشاء فضرب بابي ثم ناداني فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم قلت ماذا أجاءت غسان؟ قال لا بل أعظم من ذلك وأهول طلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه قلت قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قالت لا أدري ها هو ذا معتزل في هذه المشربة فأتيت غلاما له أسود فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إليّ فقال قد ذكرتك له فصمت فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال قد ذكرتك له فصمت فجلست إلى المنبر ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال قد ذكرتك له فصمت فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني فقال ادخل فقد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا هو متكئ على رمال حصير قد أثر في جنبه فقلت أطلقت
يا رسول اللّه نساءك فرفع رأسه إليّ وقال لا فقلت اللّه أكبر لو رأيتنا يا رسول اللّه قد كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت إذ راجعتني فقالت ما تنكر أن أراجعك فو اللّه إن أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب اللّه عليها لغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا هي قد هلكت فتبسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت يا رسول اللّه قد دخلت علي حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منك فتبسم أخرى فقلت استأنس يا رسول اللّه قال نعم قال فجلست فرفعت رأسي في البيت فو اللّه ما رأيت فيه ما يرد البصر إلا
أهبة ثلاثة فقلت يا رسول اللّه ادع اللّه أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون اللّه فاستوى جالسا ثم قال أفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر لي يا رسول اللّه وكان قد أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة لعائشة من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه اللّه تعالى» قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت «لما مضت تسع وعشرون دخل علي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدأ بي فقلت يا رسول اللّه إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت في ليلة تسع وعشرين أعدهن فقال إن الشهر يكون تسعا وعشرين زاد في رواية وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة ثم قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ثم قال يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها حتى بلغ إلى قوله عظيما قالت عائشة قد علم رسول اللّه واللّه أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه فقلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة»، زاد في رواية «أن عائشة قالت لا تخبر نساءك أني اخترتك فقال لها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن اللّه أرسلني مبلغا ولم يرسلني متعنتا» ولمسلم عن ابن عباس عن عمر نحوه وفيه قال «دخلت عليه فقلت يا رسول اللّه ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن اللّه معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت وأحمد اللّه بكلام إلا رجوت أن يكون اللّه يصدق قولي الذي أقول فنزلت هذه الآية عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن وإن تظاهرا عليه فإن اللّه هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير»، وفيه أنه استأذن رسول


الصفحة التالية
Icon