لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٢٠
عللهم ببعثة الرسل ولكنهم كذبوا وقالوا ما نزل اللّه من شيء إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ فيه وجهان أحدهما وهو الأظهر أنه من جملة قول الكفار للرسل والثاني يحتمل أن يكون من كلام الخزنة للكفار والمعنى لقد كنتم في الدنيا في ضلال كبير وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أي من الرسل ما جاءوا به أَوْ نَعْقِلُ أي نفهم منهم، قال ابن عباس لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ وقيل معناه لو كنا نسمع سمع من يعي ونعقل عقل من يميز وننظر ونتفكر ما كنا في أصحاب السعير فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ هو في معنى الجمع أي بتكذيبهم الرسل وقولهم «ما نزل اللّه من شي ء» فَسُحْقاً أي بعدا لِأَصْحابِ السَّعِيرِ قوله عز وجل : إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ أي يخافون ربهم ولم يروه فيؤمنوا به خوفا من عذابه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يعني جزاء أعمالهم الصالحة وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ قال ابن عباس نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيخبره جبريل بما قالوا فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد فأخبره اللّه أنه لا يخفى عليه خافية فقال تعالى : إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ثم أكد ذلك بقوله تعالى : أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ يعني ألا يعلم من خلق مخلوقه، وقيل ألا يعلم اللّه من خلق والمعنى ألا يعلم اللّه ما في صدور من خلق وَهُوَ اللَّطِيفُ أي باستخراج ما في الصدور الْخَبِيرُ بما فيها من السر والوسوسة.
قوله تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا الذلول المنقاد من كل شيء والمعنى جعلها لكم سهلة لا يمتنع المشي فيها لحزونتها وغلظها فَامْشُوا فِي مَناكِبِها أمر إباحة وكذا قوله وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ومناكبها جوانبها وأطرافها ونواحيها وقيل طرقها وفجاجها وقال ابن عباس جبالها والمعنى هو الذي سهل لكم السلوك في جبالها وهو أبلغ التذلل وكلوا من رزقه أي مما خلقه اللّه لكم في الأرض وَإِلَيْهِ النُّشُورُ أي وإليه تبعثون من قبوركم ثم خوف كفار مكة فقال تعالى : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ قال ابن عباس يعني عقاب من في السماء إن عصيتموه أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ أي تتحرك بأهلها وقيل تهوي بهم والمعنى أن اللّه تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى يقلبهم إلى أسفل وتعلو الأرض عليهم وتمور فوقهم أي تجيء وتذهب.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٧ الى ٢٧]
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً يعني ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط فَسَتَعْلَمُونَ أي عند الموت في الآخرة كَيْفَ نَذِيرِ أي إنذاري إذا عاينتم العذاب وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من قبل كفار مكة وهم الأمم الخالية فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري عليهم أليس وجدوا العذاب حقا.
قوله عز وجل : أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها وَيَقْبِضْنَ أي يضممن أجنحتهن إذا ضربن بهن جنوبهن بعد البسط ما يُمْسِكُهُنَّ أي حال القبض والبسط