لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٤٠
القيامة قال الحسن هو يوم القيامة وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس في مقدار خمسين ألف سنة من سني الدنيا وليس يعني أن مقدار طول ذلك اليوم خمسون ألف سنة دون غيره من الأيام لأن يوم القيامة له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود لا آخر له. ولو كان له آخر لكان منقطعا وهذا الطول في حق الكفار دون المؤمنين.
قال ابن عباس يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. وروى البغوي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال «قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فما أطول هذا اليوم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
«و الذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» وقال ابن عباس معناه لو ولي محاسبة العباد في ذلك اليوم غير اللّه لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة. وقال عطاء ويفرغ اللّه تعالى منها في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا. وقال الكلبي يقول اللّه تعالى لو وليت حساب ذلك اليوم الملائكة والجن والإنس وطوقتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه في خمسين ألف سنة وأنا أفرغ منه في ساعة من نهار. وقال يمان هو يوم القيامة فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة فعلى هذا يكون المعنى ليس له دافع من اللّه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وقيل معناه سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وفيه تقديم وتأخير.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٥ الى ١٤]
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩)
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤)
فَاصْبِرْ أي يا محمد على تكذيبهم إياك صَبْراً جَمِيلًا أي لا جزع فيه وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم نسخ بآية السيف، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ أي العذاب بَعِيداً أي غير كائن وَنَراهُ قَرِيباً أي كائنا لا محالة لأن كل ما هو آت قريب، وقيل الضمير في يرونه بعيدا يعود إلى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة والمعنى أنهم يستبعدونه على جهة الانكسار والإحالة ونحن نراه قريبا في قدرتنا غير بعيد علينا فلا يتعذر علينا إمكانه يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ أي كعكر الزيت وقال الحسن كالفضة المذابة وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ أي الصوف المصبوغ. وإنما شبه الجبال بالمصبوغ من الصوف لأنها ذات ألوان أحمر وأبيض وغرابيب سود ونحو ذلك فإذا بست الجبال وسيرت أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح. وقيل العهن الصوف الأحمر وهو أضعف الصوف وأول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا ثم عهنا منفوشا ثم تصير هباء منثورا وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً أي لا يسأل قريب قريبه لشغله بشأن نفسه والمعنى لا يسأل الحميم حميمه كيف حالك ولا يكلمه لهول ذلك اليوم وشدته. وقيل لا يسأله الشفاعة ولا يسأله الإحسان إليه ولا الرفق به كما كان يسأله في الدنيا وذلك لشدة الأمر وهول يوم القيامة يُبَصَّرُونَهُمْ أي يرونهم وليس في القيامة مخلوق من جن أو إنس إلا وهو نصف عين صاحبه فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته فلا يسألهم ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه.
وقال ابن عباس يتعارفون ساعة من النهار ثم لا يتعارفون بعد ذلك، وقيل يعرف الحميم حميمه ومع ذلك لا يسأله عن حاله لشغله بنفسه. وقيل يبصرونهم أي يعرفونهم أما المؤمن فيعرف ببياض وجهه وأما الكافر فيعرف بسواد وجهه يَوَدُّ الْمُجْرِمُ أي يتمنى المشرك لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ أي عذاب يوم القيامة بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ أي زوجته وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ أي عشيرته وقيل قبيلته وقيل أقربائه الأقربين الَّتِي تُؤْوِيهِ أي تضمه ويأوي إليها وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً يعني أنه يتمنى لو ملك هؤلاء وكانوا تحت يده ثم إنه يفتدي بهم جميعا ثُمَّ يُنْجِيهِ أي ذلك الفداء من عذاب اللّه.