لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٥٦
وقوله تعالى : وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا قال ابن عباس بينه بيانا وعنه أيضا «اقرأه على هينتك ثلاث آيات وأربعا وخمسا»، وقيل الترتيل هو التوقف والترسل والتمهل والإفهام وتبيين القراءة حرفا حرفا أثره في أثر بعض بالمد والإشباع والتحقيق. وترتيلا تأكيد في الأمر به وأنه لا بد للقارئ منه، وقيل إن اللّه تعالى لما أمر بقيام الليل أتبعه بترتيل القرآن حتى يتمكن المصلي من حضور القلب والتأمل والفكر في حقائق الآيات ومعانيها فعند الوصول إلى ذكر اللّه تعالى يستشعر بقلبه عظمة المذكور وجلاله وعند ذكر الوعد والوعيد يحصل الرجاء والخوف وعند ذكر القصص والأمثال يحصل الاعتبار فيستنير القلب عند ذلك بنور المعرفة، والإسراع في القراءة لا يحصل فيها ذلك فظهر بذلك أن المقصود من الترتيل إنما هو حضور القلب عند القراءة.
(فصل) (خ) عن قتادة قال «سئل أنس كيف كانت قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال كانت مدا ثم قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يمد بسم اللّه ويمد الرّحمن ويمد الرّحيم» عن أم سلمة رضي اللّه عنها وقد سألها يعلى بن مالك عن قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصلاته فقالت «ما لكم وصلاته ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا»، أخرجه النسائي وللترمذي قالت «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقطع قراءته يقول الحمد للّه رب العالمين ثم يقف الرّحمن الرّحيم، ثم يقف وكان يقول مالك يوم الدين ثم يقف» وفي رواية أبي داود قالت «قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين الرّحمن الرّحيم مالك يوم الدين يقطع قراءته آية آية» (ق) عن عبد اللّه بن مغفل قال «رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح فرجع في قراءته»، (ق) عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال «جاء رجل إلى ابن مسعود قال إني لأقرأ المفصل في ركعة قال عبد اللّه هذّا كهذّ الشعر إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ نفع، إن أفضل الصلاة الركوع والسجود إني لأعرف النظائر التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرن بينهن سورتين في كل ركعة» وفي رواية «فذكر عشرين سورة من المفصل» الهذ سرعة القطع والمراد به هنا سرعة القراءة والعجلة فيها، وقوله لا يجاوز تراقيهم التراقي جمع ترقوة وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وعند مخرج الصوت، والنظائر جمع نظير وهو الشبه والمثل.
عن عائشة رضي اللّه عنها قالت «قام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بآية من القرآن»، أخرجه الترمذي وللنسائي عن أبي ذر نحوه وزاد «و الآية إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» عن سهل بن سعد قال «خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن نقرأ فقال : الحمد للّه كتاب اللّه واحد وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود اقرءوا القرآن قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقال السهل يتعجل لقراءته ولا يتأجله» أخرجه أبو داود وزاد غيره في رواية «لا يجاوز تراقيهم» عن جابر رضي اللّه عنه قال خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن نقرأ القرآن وفينا العربي والعجمي فقال :
اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقومونه كما يقوم القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» أخرجه أبو داود عن ابن مسعود قال «لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذّ الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة» قوله تعالى :
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ٥ الى ٦]
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قال ابن عباس شديدا. وقيل ثقيلا يعني كلاما عظيما جليلا ذا خطر وعظمة لأنه كلام رب العالمين وكل شيء له خطر ومقدار فهو ثقيل والمعنى فصير نفسك مستعدة لقبول هذا القول العظيم الثقيل الشاق، وقيل سماه ثقيلا لما فيه من الأوامر والنواهي فإن فيه مشقة وكلفة على الأنفس وقيل ثقيلا لما فيه من الوعد والوعيد والحلال والحرام والحدود والفرائض والأحكام. وقيل ثقيلا على المنافقين لأنه يبين عيوبهم ويظهر نفاقهم، وقيل هو خفيف على اللسان بالتلاوة ثقيل في الميزان بالثواب يوم القيامة. وقيل ثقيلا أي ليس