لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٨٨
هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعا وسجدا
فانصر هداك اللّه نصرا أيدا
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : قد نصرت يا عمرو بن سالم ثم عرض لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنان من السماء، فقال إن هذه السحابة لتشهد بنصر بني كعب، وهم رهط عمرو بن سالم، ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة فأخبروه بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة، وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء يشدد في العقد ويزيد في المدة، ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يشدد في العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا من الذي صنعوا، فلما لقي أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل وظن أنه أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : سرت في خزاعة في هذا الساحل، وفي بطن هذا الوادي قال : وهل أتيت محمدا قال : لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف منها النوى فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف باللّه لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طوته عنه فقال : أي بنية أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني فقالت بل هو فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنت رجل مشرك نجس لم أحب أن تجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : واللّه لقد أصابك يا بنية بعدي شر، ثم خرج حتى أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه أن يكلم له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب، فكلمه فقال أنا لا أشفع لك إلى النبي
صلّى اللّه عليه وسلّم. فو اللّه لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب، وعنده فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعندها الحسن بن علي غلاما يدب بين يديها فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحما، وأقربهم مني قرابة، وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : ويحك يا أبا سفيان لقد أرى عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة وقال : يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر. فقالت : واللّه ما بلغ بني أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليّ، فانصحني قال واللّه لا أعلم شيئا يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال : وترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا واللّه ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، فانطلق فلما قدم على قريش قالوا ما وراءك قال : جئت محمدا فكلمته فو اللّه ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة، فلم أجد عنده خيرا، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم، ثم أتيت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم وقد أشار عليّ بشيء صنعته فو اللّه ما أدري هل يغني ذلك شيئا أم لا قالوا : وما ذاك قال أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويلك واللّه ما زاد على أن لعب بك فما يغني عنك ما قلت قال لا واللّه ما وجدت غير ذلك قال : وأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة، وهي تصلح بعض جهاز رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أي بنية أمركم رسول الله
صلّى اللّه عليه وسلّم أن تجهزوه، قالت نعم. قال فأين ترينه يريد قالت لا واللّه ما أدري ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال اللّهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها، فتجهز الناس وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد تقدمت قصته في تفسير سورة الممتحنة ثم مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسفره، واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عامدا إلى مكة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة فصام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد بين