لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٨٩
عسفان، وأمج أفطر ثم مضى حتى نزل بمر الظّهران في عشرة آلاف من المسلمين. ولم يتخلف من الأنصار والمهاجرين عنه أحد فلما نزل بمر الظّهران، وقد عميت الأخبار عن قريش، ولا يأتيهم خبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا يدرون ماهو فاعل خرج في تلك اللّيالي أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببعض الطريق قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنه راض فلما نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مر الظّهران قال العباس بن عبد المطلب. ليلتئذ واصباح قريش، واللّه لئن دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه الهلاك لقريش إلى آخر الدهر. قال فجلست على بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم البيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الأراك لعلي أجد حاطبا، أو صاحب لبن أو ذا حاجة يدخل مكة، فيخبرهم بمكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة قال العباس : فو اللّه إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليلة نيرانا قط. فقال بديل هذه واللّه نيران خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها، فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتي، فقال يا أبا الفضل فقلت نعم قال ما لك فداك أبي وأمي قلت : ويحك يا أبا سفيان هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال :
وما الحيلة قلت واللّه لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأستأمنه لك فردفني، ورجع صاحباه فخرجت أركض به على بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلما مررت بنار من نيران المسلمين ينظرون إليّ، ويقولون عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا فقام إليّ فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة، قال أبو سفيان عدو اللّه الحمد للّه الذي أمكن منك بغير عقد، ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء قال فاقتحمت عن البغلة سريعا، فدخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودخل عليه عمر فقال : يا رسول اللّه هذا عدو اللّه أبو سفيان قد أمكن اللّه منه بغير عقد، ولا عهد فدعني أضرب عنقه قال فقلت يا رسول اللّه إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذت برأسه، وقلت واللّه لا ينجيك الليلة أحد دوني فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلا يا عمر.
فو اللّه ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا، فقال مهلا يا عباس، فو اللّه لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما ذاك إلا لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من إسلام الخطاب لو أسلم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فائتني به قال فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك واللّه لقد ظننت أن لو كان مع اللّه إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول اللّه، قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك، وأوصلك أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئا فقال العباس : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدا رسول اللّه قبل أن تضرب عنقك فتشهد شهادة الحق وأسلم قال العباس : فقلت يا رسول اللّه إن أبا سفيان هذا رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود اللّه قال فخرجت به حيث أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن أحبسه قال ومرت به القبائل على راياتها كلما مرت به قبيلة قال من هؤلاء يا عباس، فأقول سليم فيقول ما لي ولسليم، ثم القبيلة فيقول من هؤلاء، فأقول مزينة فيقول ما لي ولمزينة حتى نفدت القبائل. لا تمر قبيلة إلا سألني عنها، فإذا أخبرته عنها. فيقول ما لي، ولبني فلان حتى مر رسول اللّه