لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٩٠
صلّى اللّه عليه وسلّم في كتيبته الخضراء، وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد، وظهوره فيها وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال سبحان اللّه من هؤلاء يا عباس؟ قلت هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المهاجرين، والأنصار. قال ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، واللّه يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما قلت ويحك إنها النبوة، قال فنعم إذا فقلت الحق الآن بقومك فحذرهم، فخرج سريعا حتى أتى مكة، فصرخ في المسجد بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فمه قال : قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا ويحك، وما تغني عنا دارك قال من دخل المسجد، فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم، وإلى المسجد قال وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأسلما وبايعاه، فلما بايعاه بعثهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام، ولما خرج حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير وأعطاه رايته وأمره على خيل المهاجرين والأنصار وأمره أن يركز رايته بأعلى مكة بالحجون، وقال لا تبرح حيث أمرتك أن تركز رايتي حتى آتيك، ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا بشقه عليه برد حبرة، وإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليضع رأسه تواضعا للّه عز وجل حين رأى ما أكرمه به من الفتح حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل، ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل مكة وضرب قبته بأعلى مكة، وأمر خالد بن الوليد، فيمن أسلم من قضاعة، وبني سليم أن يدخلوا من أسفل مكة وبها بنو بكر، وقد استنفرتهم قريش، وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة، وأن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلا إلا من قاتلكما، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدى فقال سعد : حين توجه داخلا اليوم يوم الملحمة اليوم يوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين قيل : هو عمر بن الخطاب فقال : لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اسمع ما قال سعد بن عبادة، وما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب أدركه بهذه الراية.
فكن أنت الذي تدخن بها، فلم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال، وأما خالد بن الوليد، فقدم على قريش وبني بكر، والأحابيش بأسفل مكة، فقاتلوه فهزمهم اللّه، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك، وقتل من المشركين اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر رجلا، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل من جهينة يقال له سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ورجلان يقال لهما كرز بن جابر، وخنيس بن خالد بن الوليد شذا وسلكا طريقا غير طريقه، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا نفرا منهم سماهم أمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، وإنما أمر بقتله لأنه كان قد أسلم فارتد مشركا ففر إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد أن اطمأن أهل مكة فاستأمنه له وعبد اللّه بن خطل رجل من بني تميم بن غالب، وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلما فبعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مصدقا، وكان له مولى يخدمه، وكان مسلما فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ونام فاستيقظ، ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا، وكان له قينتان يغنيان بهجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأمر بقتلهما معه والحويرث بن نقيد بن وهب، وكان ممن يؤذيه بمكة ومقيس صبابة، وإنما أمر بقتله لقتله الأنصاري الذي قتل أخاه خطأ، ورجوعه إلى قريش مرتدا، وسارة مولاة لبني عبد المطلب، وكانت ممن يؤذيه بمكة، وعكرمة بن أبي جهل فأما عكرمة فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فاستأمنت له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأمنه فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأما عبد اللّه بن خطل فقتله سعيد بن الحارث المخزومي وأبو برزة
الأسلمي اشتركا في دمه وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد اللّه رجل من قومه وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما، وهربت الأخرى حتى استؤمن لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأمنها وأما سارة فتغيبت