لباب التأويل، ج ٤، ص : ٩٨
ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضحاك (خ) عن ابن عمر أن أبا بكر قال : ارقبوا محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم في أهل بيته واختلفوا في قرابته، فقيل علي وفاطمة والحسن والحسين رضي اللّه تعالى عنهم وقيل أهل بيته من تحرم عليه الصدقة من أقاربه وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يفترقوا في جاهلية ولا في إسلام (م). عن زيد بن أرقم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه تعالى واستمسكوا به» فحثّ على كتاب اللّه ورغب فيه ثم قال «و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي فقال له حصين من أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرمت عليهم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس».
فإن قلت طلب الأجر على تبليغ الرسالة والوحي لا يجوز لقوله في قصة نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ.
قلت لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة.
بقي الجواب عن قوله إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
فالجواب عنه من وجهين : الأول معناه لا أطلب منكم إلا هذه وهذا في الحقيقة ليس بأجر ومنه قول الشاعر :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
معناه إذا كان هذا عيبهم فليس فيهم عيب بل هو مدح فيهم ولأن المودة بين المسلمين أمر واجب وإذا كان كذلك في حق جميع المسلمين كان في أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أولى فقوله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى المودة في القربى ليست أجرا في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم فكانت مودتهم وصلتهم لازمة لهم فثبت أن لا أجر البتة، والوجه الثاني أن هذا الاستثناء منقطع وتم الكلام عند قوله قل لا أسألكم عليه أجرا ثم ابتدأ فقال إلا المودة في القربى أي لكن أذكركم المودة في قرابتي الذين هم قرابتكم فلا تؤذوهم وقيل : إن هذه الآية منسوخة وذلك لأنها نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه تعالى هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصلة رحمه فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب اللّه تعالى أن يلحقه بإخوانه من النبيين فأنزل اللّه تعالى : قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فصارت هذه الآية ناسخة لقوله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وإليه ذهب الضحاك والحسين بن الفضل، والقول بنسخ هذه الآية غير مرضي لأن مودة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه من فرائض الدين وهو قول السلف فلا يجوز المصير إلى نسخ هذه الآية. وروي عن ابن عباس في معنى الآية قول آخر قال : إلا أن توادوا اللّه وتتقربوا إليه بطاعته وهو قول الحسن قال هو القربى إلى اللّه يقول إلا التقرب إلى اللّه تعالى والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح.
وقوله تعالى : وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً أي يكتسب طاعة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي بالتضعيف إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب شَكُورٌ أي للقليل من الأعمال حتى يضاعفها.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥)
أَمْ يَقُولُونَ أي بل يقول كفار مكة افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيه توبيخ لهم معناه أيقع في قلوبهم ويجري