البحر المحيط، ج ١، ص : ١٢٨
لأن مقابلها من وصف المنافق إنما هو نزر يسير من التقييد بالإسلام، وجوانحه منطوية على الكفر والنفاق مملوءة به، فشبه حاله بحال من استوقد نارا ما إذ لا يدل إلا على المطلق، لا على كثرة ولا على عهد، والفاء في فلما للتعقيب، وهي عاطفة جملة الشرط على جملة الصلة، ومن زعم أنها دخلت لما تضمنته الصلة من الشرط وقدره أن استوقد فهو فاسد من وجوه، وقد تقدم الرد على ما يشبه هذا الزعم في قوله : فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، فأغنى عن إعادته هنا.
وأضاءت : قيل متعد وقيل لازم ومتعد، قالوا : وهو أكثر وأشهر، فإذا كان متعديا كانت الهمزة فيه للنقل، إذ يقال : ضاء المكان، كما قال العباس بن عبد المطلب، في النبي عليه الصلاة والسلام : وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق.
والفاعل إذ ذاك ضمير النار وما مفعولة وحوله صلة معمولة لفعل محذوف لا نكرة موصوفة وحوله صفة لقلة استعمال ما نكرة موصوفة، وقد تقدم لنا الكلام في ذلك، أي فلما أضاءت النار المكان الذي حوله، وإذا كان لازما فقالوا : إن الضمير في أضاءت للنار، وما زائدة، وحوله ظرف معمول للفعل، ويجوز أن يكون الفاعل ليس ضمير النار، وإنما هو ما الموصولة وأنث على المعنى، أي : فلما أضاءت الجهة التي حوله، كما أنثوا على المعنى في قولهم : ما جاءت حاجتك. وقد ألم الزمخشري بهذا الوجه، وهذا أولى مما ذكروه لأنه لا يحفظ من كلام العرب : جلست ما مجلسا حسنا، ولا قمت ما يوم الجمعة، والحمل على المعنى محفوظ، كما ذكرناه، ولو سمع زيادة في ما نحو هذا، لم يكن ذلك من مواضع اطراد زيادة ما، والأولى في الآية بعد ذلك أن يكون أضاءت متعدية، فلا تحتاج إلى تقدير زيادة، ولا حمل على المعنى.
وقرأ ابن السميفع، وابن أبي عبلة : فلما ضاءت ثلاثيا فيتخرج على زيادة ما وعلى أن تكون هي الفاعلة، إما موصولة وإما موصوفة، كما تقدم، ولما جوابها : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وجمع الضمير في : بنورهم حملا على معنى الذي، إذ قررنا أن المعنى كالجمع الذي استوقد، أو على ذلك المحذوف الذي قدره بعضهم، وهو كمثل أصحاب الذي استوقد، وأجازوا أن يكون جواب لما محذوفا لفهم المعنى، كما حذفوه في قوله :
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا «١»، الآية. قال الزمخشري : وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع أمن الإلباس الدال عليه، انتهى. وقوله : لاستطالة الكلام غير مسلم لأنه لم يستطل

_
(١) سورة يوسف : ١٢/ ١٥.


الصفحة التالية
Icon