البحر المحيط، ج ١، ص : ١٤٨
هما أظلما حاليّ ثمت أجليا ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب
وهو أن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه، انتهى كلامه. فظاهره كما قلنا أنه متعدّ وبناؤه لما لم يسم فاعله، ولذلك استأنس بقول أبي تمام : هما أظلما حالي، وله عندي تخريج غير ما ذكر الزمخشري، وهو أن يكون أظلم غير متعدّ بنفسه لمفعول، ولكنه يتعدّى بحرف جر. ألا ترى كيف عدى أظلم إلى المجرور بعلى؟ فعلى هذا يكون الذي قام مقام الفاعل أو حذف هو الجار والمجرور، فيكون في موضع رفع، وكان الأصل : وإذا أظلم الليل عليهم، ثم حذف، فقام الجار والمجرور مقامه، نحو : غضب زيد علي عمرو، ثم تحذف زيدا وتبني الفعل للمفعول فتقول : غضب على عمرو، فليس يكون التقدير إذ ذاك : وإذا أظلم اللّه الليل، فحذفت الجلالة وأقيم ضمير الليل مقام الفاعل. وأما ما وقع في كلام حبيب فلا يستشهد به، وقد نقد على أبي علي الفارسي الاستشهاد بقول حبيب :
من كان مرعى عزمه وهمومه روض الأماني لم يزل مهزولا
وكيف يستشهد بكلام من هو مولد، وقد صنف الناس فيما وقع له من اللحن في شعره؟ ومعنى قاموا : ثبتوا ووقفوا، وصدرت الجملة الأولى بكلما، والثانية بإذا. قال الزمخشري : لأنهم حراص على وجود ما هممهم به معقودة من إمكان المشي وتأتيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقف والتحبس، انتهى كلامه. ولا فرق في هذه الآية عندي بين كلما وإذا من جهة المعنى، لأنه متى فهم التكرار من : كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ لزم منه أيضا التكرار في أنه إذا أظلم عليهم قاموا، لأن الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام، فمتى وجد هذا فقد هذا، فيلزم من تكرار وجود هذا تكرار عدم هذا، على أن من النحويين من ذهب إلى أن إذا تدل على التكرار ككلما، وأنشد :
إذا وجدت أوار الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
قال : فهذا معناه معنى كلما.
وفي تأويل هذه الآية أقوال. قال ابن عباس والسدي : كلما أتاهم القرآن بما يحبونه تابعوه. وقال قتادة : إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم، فيسرعون إلى متابعته. وقال مقاتل : البرق الإسلام، ومشيهم فيه إهتداؤهم، فإذا تركوا ذلك وقعوا في


الصفحة التالية
Icon