البحر المحيط، ج ١، ص : ٢١١
الرحم فهي ميتة إلى نفخ الروح فيحييها بالنفخ، والموت الثاني : المعهود، والإحياء الثاني : البعث. السادس : أن الموت الأول هو الخمول، والإحياء الأول : الذكر والشرف بهذا الدين والنبي الذي جاءكم، والموت الثاني : المعهود، والإحياء الثاني : البعث، قاله ابن عباس. السابع : أن الموت الأول : كون آدم من طين، والإحياء الأول : نفخ الروح فيه فحييتم بحياته، والموت الثاني : المعهود، والإحياء الثاني : البعث.
واختار ابن عطية القول الأول وقال : هو أولى الأقوال، لأنه لا محيد للكفار عن الإقرار به في أول ترتيبه، ثم إن قوله : وكنتم أمواتا، وإسناده آخرا الإماتة إليه، مما يقوي ذلك القول، وإذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتا معدومين ثم للإحياء في الدّنيا ثم للإماتة فيها، قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها. انتهى كلامه، وهو كلام حسن.
وللمنسوبين إلى علم الحقائق أقوال تخالف ما تقدم : أحدها : أمواتا بالشرك فأحياكم بالتوحيد. الثاني : أمواتا بالجهل فأحياكم بالعلم. الثالث : أمواتا بالاختلاف فأحياكم بالائتلاف. الرابع : أمواتا بحياة نفوسكم وإماتتكم بإماتة نفوسكم وإحياء قلوبكم.
الخامس : أمواتا عنه فأحياكم به، قاله الشبلي. السادس : أمواتا بالظواهر فأحياكم بمكاشفة السرائر، قاله ابن عطاء. السابع : أمواتا بشهودكم فأحياكم بمشاهدته ثم يميتكم عن شواهدكم ثم يحييكم بقيام الحق عنه ثم إليه ترجعون من جميع ما لكم، قاله فارس.
واختار الزمخشري : أن الموت الأول كونهم نطفا في أصلاب آبائهم فجعلهم أحياء، ثم يميتهم بعد هذه الحياة، ثم يحييهم بعد الموت، ثم يحاسبهم. وجوز أيضا أن يكون المراد بالإحياء الثاني : الإحياء في القبر، وبالرجوع : النشور، وأن يراد بالإحياء الثاني أيضا النشور، وبالرجوع : المصير إلى الجزاء. وهذا الذي جوز أن يراد به الإحياء في القبر لا يفهم منه أنه يحيا للمسألة في القبر، ولا لأن ينعم فيه أو يعذب لأنه ليس مذهبه، لأن المعتزلة وأتباعهم أنكروا عذاب القبر، وأهل السنة والكرامية أثبتوه بلا خلاف بينهم، إلا أن أهل السنة يقولون : يحيا الميت الكافر فيعذب في قبره، والفاسق يجوز أن يعذب في قبره، والكرامية تقول : يعذب وهو ميت. والأحاديث الصحيحة قد استفاضت بعذاب القبر، فوجب القول به واعتقاده.
واختار صاحب المنتخب أن المراد بقوله : أمواتا أي ترابا ونطفا، لأن ابتداء خلق آدم