البحر المحيط، ج ١، ص : ٢١٣
قالوا : ولا يجوز أن يستدل بقوله تعالى : رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ «١»، لأنه من كلام الكفار، ولأن كثيرا من الناس أثبتوا حياة الذر في صلب آدم. والجواب : أنه لا يلزم من عدم ذكر هذه الحياة للمسألة عدمها قبل، وأيضا، فيمكن أن يكون قوله : ثم يحييكم هو للمسألة، ولذلك قال : ثم إليه ترجعون، فعطف بثم التي تقتضي التراخي في الزمان.
والرجوع إلى اللّه تعالى حاصل عقب الحياة التي للبعث، فدل ذلك على أن تلك الحياة المذكورة هي للمسألة.
قال الحسن : ذكر الموت مرتين هذا لأكثر الناس، وأما بعضهم فقد أماتهم ثلاث مرات، أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ»
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ «٣»، فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ «٤»، الآيات. وفي قوله تعالى : فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ دليل على اختصاصه تعالى بذلك، ودليل على النشر والحشر. والظاهر في قوله تعالى : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أن الهاء عائدة على اللّه سبحانه وتعالى، لأن الضمائر السابقة عائدة عليه تعالى، ويكون ذلك على حذف مضاف، أي إلى جزائه من ثواب أو عقاب. وقيل : عائدة على الجزاء على الأعمال. وقيل : عائدة على الموضع الذي يتولى اللّه الحكم بينكم فيه. وقيل :
عائدة على الأحياء المدلول عليه بقوله : فأحياكم. وشرح هذا أنكم ترجعون بعد الحياة الثانية إلى الحال التي كنتم عليها في ابتداء الحياة الأولى، من كونكم لا تملكون لأنفسكم شيئا. واستدلت المجسمة بقوله : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، على أنه تعالى في مكان ولا حجة لهم في ذلك.
وقرأ الجمهور : ترجعون مبنيا للمفعول من رجع المتعدي.
وقرأ مجاهد، ويحيى بن يعمر، وابن أبي إسحاق، وابن محيصن، والفياض بن غزوان، وسلام، ويعقوب : مبنيا للفاعل، حيث وقع في القرآن من رجع اللازم، لأن رجع يكون لازما ومتعديا. وقراءة الجمهور أفصح، لأن الإسناد في الأفعال السابقة هو إلى اللّه تعالى، فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ، فكان سياق هذا الإسناد أن يكون الفعل في الرجوع مسندا إليه، لكنه كان يفوت تناسب الفواصل والمقاطع، إذ كان يكون الترتيب :
ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ «٥»، فحذف الفاعل للعلم به وبنى الفعل للمفعول حتى لا يفوت
(١) سورة غافر : ٤٠/ ١١.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٥٩.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٣.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٢٦٠.
(٥) سورة الأنعام : ٦/ ٦٠.