البحر المحيط، ج ١، ص : ٢١٦
على شيء إلا بإذن. وذهب قوم إلى أن الوقف لنا تعارض عندهم دليل القائلين بالإباحة، ودليل القائلين بالحظر قالوا بالوقف. وحكى أبو بكر بن فورك عن ابن الصائغ أنه قال : لم يخل العقل قط من السمع، فلا نازلة إلا وفيها سمع، أو لها تعلق به أثر لها حال تستصحب، وإذا جعلنا اللام للسبب، فليس المعنى أن اللّه فعل شيئا لسبب، لكنه لما فعل ما لو فعله غيره لفعله لسبب أطلق عليه لفظ السبب واندرج تحت قوله : ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، جميع ما كانت الأرض مستقرا له من الحيوان والنبات والمعدن والجبال، وجميع ما كان بواسطة من الحرف والأمور المستنبطة. واستدل بعضهم بذلك على تحريم الطين، قال : لأنه خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض.
وقد تقدم قبل هذا الامتنان بجعل الأرض لنا فراشا، وهنا امتن بخلق ما فيها لنا وانتصب جميعا على الحال من المخلوق، وهي حال مؤكدة لأن لفظة ما في الأرض عام، ومعنى جميعا العموم. فهو مرادف من حيث المعنى للفظة كل كأنه قيل : ما في الأرض كله، ولا تدل على الاجتماع في الزمان، وهذا هو الفارق بين معا وجميعا. وقد تقدم شيء من ذلك عند الكلام على مع، ومن زعم أن المعنى بقوله : ما في الأرض، الأرض وما فيها، فهو بعيد عن مدلول اللفظ، لكنه تفسير معنى من هذا اللفظ، ومن قوله تعالى :
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً «١»، فانتظم من هذين الأرض وما فيها خلق اللّه ذلك لنا.
وقال الزمخشري : إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء، كما تذكر السماء، ويراد بها الجهات العلوية، جاز ذلك، فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية. وقال بعض المنسوبين للحقائق : خلق لكم ليعد نعمه عليكم، فتقتضي الشكر من نفسك لتطلب المزيد منه. وقال أبو عثمان : وهب لك الكل وسخره لك لتستدل به على سعة جوده وتسكن إلى ما ضمنه لك من جزيل العطاء في المعاد، ولا تستكثر كثير بره على قليل عملك، فإنه قد ابتدأك بعظيم النعم قبل العمل وقبل التوحيد. وقال ابن عطاء : خلق لكم ليكون الكون كله لك وتكون للّه فلا تشتغل بما لك عما أنت له. وقال بعض البغداديين : أنعم عليك بها، فإن الخلق عبدة النعم لاستيلاء النعم عليهم، فمن ظهر للحضرة أسقط عنه المنعم رؤية النعم. وقال الثوري : أعلى مقامات أهل الحقائق الانقطاع عن العلائق ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ : والعطف بثم يقتضي التراخي في الزمان، ولا زمان إذ ذاك، فقيل : أشار بثم إلى التفاوت الحاصل بين خلق السماء والأرض في القدر، وقيل :

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٢. [.....]


الصفحة التالية
Icon