البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٤٢
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ جواب فلما، وقد تقدّم ذكر الخلاف في لما المقتضية للجواب، أهي حرف أم ظرف؟ ورجحنا الأول وذكرنا أنه مذهب سيبويه. وألم : أقل تقرير، لأن الهمزة إذا دخلت على النفي كان الكلام في كثير من المواضع تقريرا نحو قوله تعالى :
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ «١»؟ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «٢»؟ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً «٣»؟ ولذلك جاز العطف على جملة إثباتية نحو : ووضعنا، ولبثت، ولكم فيه، تنبيههم بالخطاب وهزهم لسماع المقول، نحو قوله : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً «٤» نبهه في الثانية بالخطاب. وقد تقدم أن اللام في نحو : قلت لك، أو لزيد، للتبليغ، وهو أحد المعاني التي ذكرناها فيها. إِنِّي أَعْلَمُ : ياء المتكلم المتحرك ما قبلها، إذا لقيت همزة القطع المفتوحة، جاز فيها وجهان : التحريك والإسكان، وقرىء بالوجهين في السبعة، على اختلاف بينهم في بعض ذلك، وتفصيل ذلك مذكور في كتب القراءات. وسكنوا في السبعة إجماعا : تفتني ألا، أَرِنِي أَنْظُرْ «٥»، فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ «٦» وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ «٧»، ولا يظهر بشيء من اختلافهم واتفاقهم علة إلا اتباع الرواية. والخلاف الذي تقدم في أعلم من كونه منصوبا أو مجرورا جار هنا، وقد تقدم إيضاحه هناك فلا نعيده هنا.
وقد حكى ابن عطية عن المهدوي ما نصه : قال المهدوي : ويجوز أن يكون قوله :
أعلم اسما بمعنى التفضيل في العلم، فتكون ما في موضع خفض بالإضافة. قال ابن عطية : وإذا قدر الأول اسما، فلا بد بعده من إضمار فعل ينصب غيب، تقديره : إني أعلم من كل أعلم غيب، وكونها في الموضعين فعلا مضارعا أخصر وأبلغ. انتهى. وما نقله ابن عطية عن المهدوي وهم. والذي ذكر المهدوي في تفسيره ما نصه : وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ، يجوز أن ينتصب ما بأعلم على أنه فعل، ويجوز أن يكون بمعنى عالم، أو يكون ما جرا بالإضافة، ويجوز أن يقدر التنوين في أعلم إذا قدرته بمعنى عالم وتنصب ما به، فيكون بمعنى حواج بيت اللّه، انتهى. فأنت ترى أنه لم يذهب إلى أن أفعل للتفضيل وأنه لم يجز الجر في ما والنصب، وتكون أفعل اسما إلا إذا كان بمعنى فاعل لا أفعل تفضيل، ولا
(١) سورة الأعراف : ٧/ ١٧٢.
(٢) سورة الشرح : ٩٤/ ١. [.....]
(٣) سورة الشعراء : ٢٦/ ١٨.
(٤) سورة الكهف : ١٨/ ٧٥.
(٥) سورة الأعراف : ٧/ ١٤١.
(٦) سورة مريم : ١٩/ ٤٣.
(٧) سورة هود : ١١/ ٤٧.