البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٦٥
القيد مأمورا به، لأنه ليس داخلا في حيز التكليف، وهذه الحال من هذا النوع، فلا يلزم أن يكون اللّه أمر بها، وهذه الحال من الأحوال اللازمة. وقوله : لبعض متعلق بقوله عدوّ، واللام مقوية لوصول عدوّ إليه، وأفرد عدوّ على لفظ بعض أو لأنه يصلح للجمع، كما سبق ذكر ذلك عند الكلام على بعض وعلى عدوّ حالة الإفراد.
وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ : مبتدأ وخبر. لكم هو الخبر، وفي الأرض متعلق بالخبر، وحقيقته أنه معمول للعامل في الخبر، والخبر هنا مصحح لجواز الابتداء بالنكرة، ولا يجوز فِي الْأَرْضِ أن يتعلق بمستقر، سواء كان يراد به مكان استقرار كما قاله أبو العالية وابن زيد، أو المصدر، أي استقرار، كما قاله السدي، لأن اسم المكان لا يعمل، ولأن المصدر الموصول لا يجوّز بعضهم تقديم معموله عليه، ولا يجوز في الأرض أن يكون خبرا، ولكم متعلق بمستقرّ لما ذكرناه، أو في موضع الحال من مستقر، لأن العامل إذ ذاك فيها يكون الخبر، وهو عامل معنوي، والحال متقدمة على جزأي الإسناد، فلا يجوز ذلك، وصار نظير : قائما زيد في الدار، أو قائما في الدار زيد، وهو لا يجوز بإجماع.
مستقرّ : أي مكان استقراركم حالتي الحياة والموت، وقيل : هو القبر، أو استقرار، كما تقدم شرحه.
وَمَتاعٌ : المتاع ما استمتع به من المنافع، أو الزاد، أو الزمان الطويل، أو التعمير. إِلى حِينٍ : إلى الموت، أو إلى قيام الساعة، أو إلى أجل قد علمه اللّه، قاله ابن عباس. ويتعلق إلى بمحذوف، أي ومتاع كائن إلى حين، أو بمتاع، أي واستمتاع إلى حين، وهو من باب الإعمال، أعمل فيه الثاني ولم يحتج إلى إضمار في الأول، لأن متعلقه فضلة، فالأولى حذفه، ولا جائز أن يكون من أعمال الأول، لأن الأولى أن لا يحذف من الثاني والأحسن حمل القرآن على الأولى. والأفصح لا يقال إنه لا يجوز أن يكون من باب الإعمال، وإن كان كل من مستقرّ ومتاع يقتضيه من جهة المعنى بسبب أن الأول لا يجوز أن يتعلق به إلى حين، لأنه يلزم من ذلك الفصل بين المصدر ومعموله بالمعطوف، والمصدر موصول فلا يفصل بينه وبن معموله، لأن المصدر هنا لا يكون موصولا، وذلك أن المصدر منه ما يلحظ فيه الحدوث فيتقدر بحرف مصدري مع الفعل، وهذا هو الموصول، وإنما كان موصولا باعتبار تقديره بذلك الحرف الذي هو موصول بالفعل، وإلا فالمصدر من حيث هو مصدر لا يكون موصولا، ومنه ما لا يلحظ فيه الحدوث، نحو قوله : لزيد معرفة بالنحو، وبصر بالطب، وله ذكاء ذكاء الحكماء. فمثل هذا لا يتقدر بحرف مصدري والفعل، حتى ذكر النحويون أن هذا


الصفحة التالية
Icon