البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٦٦
المصدر إذا أضيف لم يحكم على الاسم بعده، لا برفع ولا بنصب، قالوا : فإذا قلت : يعجبني قيام زيد، فزيد فاعل القيام تأويله يعجبني أن يقوم زيد، وممكن أن زيدا يعرا منه القيام، ولا يقصد فيه إلى إفادة المخاطب أنه فعل القيام فيما مضى، أو يفعله فيما يستقبل، بل تكون النية في الإخبار كالنية في : يعجبني خاتم زيد المحدود المعروف بصاحبه والمخفوض بالمصدر. على هذه الطريقة لا يقضى عليه برفع، ولا يؤكد، ولا ينعت، ولا يعطف عليه إلا بمثل ما يستعمل مع المخفوضات الصحاح، انتهى.
فأنت ترى تجويزهم أن لا يكون موصولا مع المصدر الذي يمكن أن يكون موصولا، وهو قولهم : يعجبني قيام زيد، فكيف مع ما لا يجوز أن يكون موصولا نحو : ما مثلنا به من قوله : له ذكاء ذكاء الحكماء، وبصر بالطب، ونحو ذلك، فكذلك يكون مستقر ومتاع من قبيل ما لا يكون موصولا. ولا يمتنع أن يعمل في الجار والمجرور، وإن لم يكن موصولا، كما مثلنا في قوله : له معرفة بالنحو، لأن الظرف والجار والمجرور يعمل فيهما روائح الأفعال، حتى الأسماء الأعلام، نحو قولهم : أنا أبو المنهال بعض الأحيان، وأنا ابن ماوية إذ جدّ النقر. وأما أن تعمل في الفاعل، أو المفعول به فلا. وأما إذا قلنا بمذهب الكوفيين، وهو أن المصدر إذا نوّن، أو دخلت عليه الألف واللام، تحققت له الاسمية وزال عنه تقدير الفعل، فانقطع عن أن يحدث إعرابا، وكانت قصته قصة زيد وعمرو والرجل والثوب، فيمكن أيضا أن يخرج عليه قوله تعالى : مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ، ولا يبعد على هذا التقدير تعلق الجار والمجرور بكل منهما، لأنه يتسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما، ولأن المصدر إذ ذاك لا يكون بأبعد في العمل في الظرف أو المجرور من الاسم العلم. ويمكن أن يفسر قوله : مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ بقوله : قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ «١»، وفي قوله : إِلى حِينٍ دليل على عدم البقاء في الأرض، ودليل على المعاد. وفي هذه الآية التحذير عن مخالفة أمر اللّه بقصد أو تأويل، وأن المخالفة تزيل عن مقام الولاية.
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ، تلقى : تفعل من اللقاء، وهو هنا بمعنى التجرد، أي لقى آدم، نحو قولهم : تعداك هذا الأمر، بمعنى عداك، وهو أحد المعاني التي جاءت لها تفعل، وهي سبعة عشر معنى مطاوعة فعل، نحو : كسرته فتكسر، والتكلف نحو : تحلم، والتجنب نحو : تجنب، والصيرورة نحو : تألم، والتلبس بالمسمى المشتق منه نحو :

_
(١) سورة الأعراف : ٧/ ٢٥.


الصفحة التالية