البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٨١
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وأضافهم إلى لفظ إسرائيل، وهو يعقوب، ولم يقل :
يا بني يعقوب، لما في لفظ إسرائيل من أن معناه عبد اللّه أو صفوة اللّه، وذلك على أحسن تفاسيره، فهزهم بالإضافة إليه، فكأنه قيل : يا بني عبد اللّه، أو يا بني صفوة اللّه، فكان في ذلك تنبيه على أن يكونوا مثل أبيهم في الخير، كما تقول : يا ابن الرجل الصالح أطع اللّه، فتضيفه إلى ما يحركه لطاعة اللّه، لأن الإنسان يحب أن يقتفي أثر آبائه، وإن لم يكن بذلك محمودا، فكيف إذا كان محمودا؟ ألا ترى : إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ «١»، بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا «٢»، وفي قوله : يا بَنِي إِسْرائِيلَ دليل على أن من انتمى إلى شخص، ولو بوسائط كثيرة، يطلق عليه أنه ابنه، وعليه يا بَنِي آدَمَ «٣» ويسمى ذلك أبا. قال تعالى : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ «٤»، وفي إضافتهم إلى إسرائيل تشريف لهم بذكر نسبتهم لهذا الأصل الطيب، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. ونقل عن أبي الفرج بن الجوزي : أنه ليس لأحد من الأنبياء غير نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم اسمان إلا يعقوب، فإنه يعقوب، وهو إسرائيل. ونقل الجوهري في صحاحه : أن المسيح اسم علم لعيسى، لا اشتقاق له. وذكر البيهقي عن الخليل بن أحمد خمسة من الأنبياء ذو واسمين : محمد وأحمد نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذو النون، وإلياس وذو الكفل.
والمراد بقوله : يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا من كان بحضرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة، وما والاها من بني إسرائيل، أو من أسلم من اليهود وآمن بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، أو أسلاف بني إسرائيل وقدماؤهم، أقوال ثلاثة : والأقرب الأول، لأن من مات من أسلافهم لا يقال له :
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، إلا على ضرب بعيد من التأويل، ولأن من آمن منهم لا يقال له : وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، إلا بمجاز بعيد. ويحتمل قوله : اذكروا الذكر باللسان والذكر بالقلب : فعلى الأول يكون المعنى :
أمرّوا النعم على ألسنتكم ولا تغفلوا عنها، فإن إمرارها على اللسان ومدارستها سبب في أن لا تنسى. وعلى الثاني يكون المعنى : تنبهوا للنعم ولا تغفلوا عن شكرها. وفي النعمة المأمور بشكرها أو بحفظها أقوال : ما استودعوا من التوراة التي فيها صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أو ما أنعم به على أسلافهم من إنجائهم من آل فرعون وإهلاك عدوهم وإيتائهم التوراة ونحو

_
(١) سورة الزخرف : ٤٣/ ٢٢ و٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٧٠.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ٢٦ و٢٧ و٣١ و٣٥.
(٤) سورة الحج : ٢٢/ ٧٨.


الصفحة التالية
Icon