البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٩٨
ناس من أهل النار فقالوا لهم : قد كنتم تأمروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة، قالوا : كنا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها.
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ : تقدم ذكر معاني استفعل عند ذكر المادة في قوله تعالى : وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ «١»، وأن من تلك المعاني الطلب، وأن استعان معناه طلب المعونة، وظاهر الصبر أنه يراد به ما يقع عليه في اللغة. وقال مجاهد : الصبر : الصوم، والصوم : صبر، لأنه إمساك عن الطعام، وسمي رمضان : شهر الصبر. والصلاة : هي المفروضة مع ما يتبعها من السنن والنوافل، قاله مجاهد. وقيل : الصلاة الدعاء وقد أضمر، والصبر صلة تقيده، فقيل : بالصبر على ما تكرهه نفوسكم من الطاعة والعمل، أو على أداء الفرائض، روي ذلك عن ابن عباس، أو عن المعاصي، أو على ترك الرياسة، أو على الطاعات وعن الشهوات، أو على حوائجكم إلى اللّه، أو على الصلاة. ولما قدر هذا التقدير، أعني بالصبر على الصلاة، توهم بعض من تكلم على القرآن، أن الواو التي في الصلاة هنا بمعنى على، وإنما يريد قائل هذا : أنهم أمروا بالاستعانة بالصبر على الصلاة وبالصلاة، لأن الواو بمعنى على، ويكون ينظر إلى قوله : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها «٢» وأمروا بالاستعانة بالصلاة، لأنه يتلى فيها ما يرغب في الآخرة ويزهد في الدنيا، أو لما فيها من تمحيص الذنوب وترقيق القلوب، أو لما فيها من إزالة الهموم، ومنه
الحديث :«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة».
وقد روي أن ابن عباس نعى إليه قثم أخوه، فقام يصلي، وتلا : وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، أو لما فيها من النهي عن الفحشاء والمنكر، وكل هذه الوجوه ذكروها. وقدم الصبر على الصلاة، قيل : لأن تأثير الصبر في إزالة ما لا ينبغي، وتأثير الصلاة في حصول ما ينبغي، والنفي مقدم على الإثبات، ويظهر أنه قدم الاستعانة به على الاستعانة بالصلاة، لأنه سبق ذكر تكاليف عظيمة شاق فراقها على من ألفها واعتادها من ذكر ما نسوه والإيفاء بما أخلفوه والإيمان بكتاب متجدد وترك أخذهم الرشا على آيات اللّه وتركهم إلباس الحق بالباطل وكتم الحق الذي لهم بذلك الرياسة في الدنيا والاستتباع لعوامهم وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وهذه أمور عظيمة، فكانت البداءة بالصبر لذلك. ولما كان عمود الإسلام هو الصلاة، وبها يتميز المسلم من المشرك، أتبع الصبر بها، إذ يحصل بها الاشتغال عن الدنيا، وبالتلاوة فيها الوقوف على ما تضمنه كتاب اللّه من الوعد والوعيد، والمواعظ والآداب، ومصير الخلق
(١) سورة الفاتحة : ١/ ٥.
(٢) سورة طه : ٢٠ - ١٣٢.