البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٢٢
الحجة وعشر من المحرّم، أو ذو القعدة وعشر من ذي الحجة، قاله أبو العالية وأكثر المفسرين، وقرأ علي وعيسى بن عمر : بكسر باء أربعين شاذا اتباعا، ونصب أربعين على المفعول الثاني لواعدنا، على أنها هي الموعودة، أو على حذف مضاف التقدير تمام، أو انقضاء أربعين حذف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب إعرابه، قاله الأخفش، فيكون مثل قوله :
فواعديه سر حتى مالك أو النقا بينهما أسهلا
أي إتيان سر حتى مالك، ولا يجوز نصب أربعين على الظرف لأنه ظرف معدود، فيلزم وقوع العامل في كل فرد من أجزائه، والمواعدة لم تقع كذلك. وليلة : منصوب على التمييز الجائي بعد تمام الاسم، والعامل في هذا النوع من التمييز اسم العدد قبله شبه أربعين بضاربين، ولا يجوز تقديم هذا النوع من التمييز على اسم العدد بإجماع، ولا الفصل بينهما بالمجرور إلا ضرورة، نحو :
على أنني بعد ما قد مضى ثلاثون للهجر حولا كميلا
وعشرين منها أصبعا من ورائنا ولا تعريف للتمييز، خلافا لبعض الكوفيين وأبي الحسين بن الطراوة. وأول أصحابنا ما حكاه أبو زيد الأنصاري من قول العرب : ما فعلت العشرون الدرهم، وما جاء نحو : هذا مما يدل على التعريف، وذلك مذكور في علم النحو. وكان تفسير الأربعين بليلة دون يوم، لأن أوّل الشهر ليلة الهلال، ولهذا أرّخ بالليالي، واعتماد العرب على الأهلة، فصارت الأيام تبعا لليالي، أو لأن الظلمة أقدم من الضوء بدليل وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ «١»، أو دلالة على مواصلته الصوم ليلا ونهارا، لأنه لو كان التفسير باليوم أمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه واصل أربعين ليلة بأيامها. وهذه المواعدة للتكلم، أو لإنزال التوراة. قال المهدوي : وكان ذلك بعد أن جاوز البحر، وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند اللّه، فخرج إلى الطور في سبعين رجلا من خيار بني إسرائيل، وصعد الجبل وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة، فقعدوا فيما ذكره المفسرون عشرين يوما وعشرة ليال، فقالوا : قد أخلفنا موعده، انتهى كلامه. وقال الزمخشري : لما دخل بنو إسرائيل مصر، بعد هلاك فرعون، ولم يكن لهم كتاب ينتهون إليه، وعد اللّه أن ينزل عليهم التوراة، وضرب له ميقاتا، انتهى.
(١) سورة يس : ٣٦/ ٣٧.