البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٢٣
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ : الجمهور على إدغام الذال في التاء. وقرأ ابن كثير وحفص من السبعة : بالإظهار، ويحتمل اتخذ هنا أن تكون متعدية لواحد، أي صنعتم عجلا، كما قال : وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ «١»، على أحد التأويلين، وعلى هذا التقدير : يكون ثم جملة محذوفة يدل عليها المعنى، وتقديرها :
وعبدتموه إلها، ويحتمل أن تكون مما تعدّت إلى اثنين فيكون المفعول الثاني محذوفا لدلالة المعنى، التقدير : ثم اتخذتم العجل إلها، والأرجح القول الأوّل، إذ لو كان مما يتعدّى في هذه القصة لاثنين لصرح بالثاني، ولو في موضع واحد، ألا ترى أنه لم يعد إلى اثنين بل إلى واحد في هذا الموضع، وفي : وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى، وفي : اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ «٢»، وفي : إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ «٣»، وفي قوله في هذه السورة أيضا :
إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ «٤»، لكنه يرجح القول الثاني لاستلزام القول الأوّل حذف جملة من هذه الآيات، ولا يلزم في الثاني إلا حذف المفعول، وحذف المفرد أسهل من حذف الجملة. فعلى القول الأوّل فيه ذمّ الجماعة بفعل الواحد، لأن الذي عمل العجل هو السامري، وسيأتي، إن شاء اللّه، الكلام فيه وفي اسمه وحكاية إضلاله عند قوله تعالى : وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ «٥»، وذلك عادة العرب في كلامها تذم وتمدح القبيلة بما صدر عن بعضها. وعلى القول الثاني فيه ذمهم بما صدر منهم، والألف واللام في العجل على القول الأول لتعريف الماهية، إذ لم يتقدّم عهد فيه، وعلى القول الثاني للعهد السابق، إذ كانوا قد صنعوا عجلا ثم اتخذوا ذلك العجل إلها، وكونه عجلا ظاهر في أنه صار لحما ودما، فيكون عجلا حقيقة ويكون نسبة الخوار إليه حقيقة، قاله الحسن. وقيل :
هو مجاز، أي عجلا في الصورة والشكل، لأن السامري صاغه على شكل العجل، وكان فيما ذكروا صائغا، ويكون نسبة الخوار إليه مجازا، قاله الجمهور، وسيأتي الكلام على ذلك في الأعراف، إن شاء اللّه. ومن أغرب ما ذهب إليه في هذا العجل أنه سمي عجلا لأنهم عجلوا به قبل قدوم موسى، فاتخذوه إلها، قاله أبو العالية، أو سمي هذا عجلا، لقصر مدّته.
مِنْ بَعْدِهِ، من : تفيد ابتداء الغاية، ويتعارض مدلولها مع مدلول ثم، لأن ثم

_
(١) سورة الأعراف : ٧/ ١٤٨.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٤٨.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ١٥٢.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٥٤.
(٥) سورة طه : ٢٠/ ٨٥.


الصفحة التالية
Icon