البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٢٦
ومعنى لعلكم تشكرون : أي عفو اللّه عنكم، لأن العفو يقتضي الشكر، قاله الجمهور، أو تظهرون نعمة اللّه عليكم في العفو، أو تعترفون بنعمتي، أو تديمون طاعتي، أو تقرون بعجزكم عن شكري أربعة أقوال : وقال ابن عباس : الشكر طاعة الجوارح. وقال الجنيد : الشكر هو العجز عن الشكر. وقال الشبلي : التواضع تحت رؤية المنة. وقال الفضيل : أن لا تعصي اللّه. وقال أبو بكر الورّاق أن تعرف النعمة من اللّه. وقال ذو النون :
الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان. قال القشيري :
سرعة العفو عن عظيم الجرم دالة على حقارة المعفو عنه، يشهد لذلك مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ «١»، وهؤلاء بنو إسرائيل عبدوا العجل فقال تعالى : ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ»
وقال لهذه الأمة : وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «٣»، انتهى كلامه. وناسب ترجي الشكر إثر ذكر العفو، لأن العفو عن مثل هذه الزلة العظيمة التي هي اتخاذ العجل إلها هو من أعظم، أو أعظم إسداء النعم، فلذلك قال :
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ : هو التوراة بإجماع المفسرين. وَالْفُرْقانَ : هو التوراة، ومعناه أنه آتاه جامعا بين كونه كتابا وفرقانا بين الحق والباطل، ويكون من عطف الصفات، لأن الكتاب في الحقيقة معناه : المكتوب، قاله الزجاج، واختاره الزمخشري، وبدأ بذكره ابن عطية قال : كرر المعنى لاختلاف اللفظ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل، ولفظة كتاب لا تعطي ذلك، أو الواو مقحمة، أي زائدة، وهو نعت للكتاب، قال الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
قاله الكسائي، وهو ضعيف، وإنما قوله، وابن الهمام، وليث : من باب عطف الصفات بعضها على بعض. ولذلك شرط، وهو أن تكون الصفات مختلفة المعاني، أو النصر، لأنه فرق بين العدوّ والولي في الغرق والنجاة، ومنه قيل ليوم بدر : يوم الفرقان، قاله ابن عباس، أو سائر الآيات التي أوتي موسى على نبينا وعليه السلام من العصا واليد وغير ذلك، لأنها فرقت بين الحق والباطل، أو الفرق بين الحق والباطل، قاله أبو العالية ومجاهد، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام، أو البرهان الفارق بين الكفر والإيمان،

_
(١) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٥٢.
(٣) سورة الزلزلة : ٩٩/ ٨.


الصفحة التالية