البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٣٩
فَتابَ عَلَيْكُمْ : ظاهره أنه إخبار من اللّه تعالى بالتوبة عليهم، ولا بد من تقدير محذوف عطفت عليه هذه الجملة، أي فامتثلتم ذلك فتاب عليكم. وتكون هاتان الجملتان مندرجتين تحت الإضافة إلى الظرف الذي هو : إذ في قوله : وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ.
وأجاز الزمخشري أن يكون مندرجا تحت قول موسى على تقدير شرط محذوف، كأنه قال :
فإن فعلتم فقد تاب عليكم، فتكون الفاء إذ ذاك رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط المحذوفة، هي وحرف الشرط، وما ذهب إليه الزمخشري لا يجوز، وذلك أن الجواب يجوز حذفه كثيرا للدليل عليه. وأما فعل الشرط وحده دون الأداة فيجوز حذفه إذا كان منفيا بلا في الكلام الفصيح، نحو قوله :
فطلقها فلست لها بكفؤ وإن لا يعل مفرقك الحسام
التقدير : وأن لا تطلقها يعل، فإن كان غير منفي بلا، فلا يجوز ذلك إلا في ضرورة، نحو قوله :
سقته الرواعد من صيف وإن من خريف فلن يعدما
التقدير : وإن سقته من خريف فلن يعدم الري، وذلك على أحد التخريجين في البيت، وكذلك حذف فعل الشرط وفعل الجواب دون أن يجوز في الضرورة، نحو قوله :
قالت بنات العمّ يا سلمى وإن كان عييا معدما قالت وإن
التقدير : وإن كان عييا معدما أتزوجه. وأما حذف فعل الشرط وأداة الشرط معا، وإبقاء الجواب، فلا يجوز إذا لم يثبت ذلك من كلام العرب. وأما جزم الفعل بعد الأمر والنهي وأخواتهما فله. ولتعليل ما ذكرنا من الأحكام مكان آخر يذكر في علم النحو. وظاهر قوله : فَتابَ عَلَيْكُمْ أنه كما قلنا : إخبار عن المأمورين بالقتل الممتثلين ذلك. وقال ابن عطية : معناه على الباقين، وجعل اللّه القتل لمن قتل شهادة، وتاب على الباقين وعفا عنهم، انتهى كلامه. إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : تقدم الكلام على هذه الجملة عند قوله تعالى في قصة آدم : فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «١»، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى : هذه محاورة بني إسرائيل لموسى، وذلك بعد محاورته لهم في الآية قبل هذا. والضمير في قلتم قيل للسبعين المختارين، قاله ابن مسعود وقتادة، وذكر

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٣٧. [.....]


الصفحة التالية
Icon