البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٧٨
اللّه، والحبوب والأرض يتخللها العيوب والغصوب ويدخلها الحرام والشبهة، وما كان حلا خالصا أفضل مما يدخله الحرام والشبهة. السادس : أن المنّ والسلوى يفضلان ما سألوه من جنس الغذاء ونفعه. وملخص هذه الأقوال : هل الأدنوية والخيرية بالنسبة إلى القيمة، أو امتثال الأمر وما يترتب عليه، أو اللذة، أو الكلفة، أو الحل، أو الجنس؟ أقوال ستة. وأما قراءة زهير فهي من الدناءة.
وقد تقدم أن أدنى غير المهموز قيل إن أصلها الهمز فسهل كهذه القراءة، ومن قال بالقلب وإن أصله أدون، فالدناءة والدون راجعان إلى معنى واحد، وهو الخسة، وهو من جهة المعنى أحسن مقابلة لقوله : بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ. ومن جعل أدنى بمعنى أقرب، لأن الأدون والأدنأ يقابلهما الخير، والأدنى بمعنى الأقرب يقابله الأبعد، وحذف من ومعمولها بعد قوله : هو خير، لما ذكرناه في قوله : هو أدنى، من وقوع أفعل التفضيل خبرا وتقديره : منه، أي من : الَّذِي هُوَ أَدْنى. وكانت هاتان الصلتان جملتين اسميتين لثبوت الجملة الاسمية، وكان الخير أفعل التفضيل، لأنه لا دلالة فيها على تعيين زمان، بل في ذلك إثبات الأدنوية والخيرية من غير تقييد بزمان، بخلاف الجملة الفعلية، فإنه كان يتعين الزمان، أو يتجوز في ذلك، إن لم يقصد التعيين، فكان الوصل بما هو حقيقة في عدم الدلالة على التعيين أفصح، وكانت صلة ما في قوله : مما تنبت، جملة فعلية، لأن الفعل عندهم يشعر بالتجدد والحدوث، والإنبات متجدد دائما، فناسب كل مكان ما يليق به من الصلة.
اهْبِطُوا مِصْراً «١» : في الكلام حذف على تقدير أن القائل : أَتَسْتَبْدِلُونَ هو موسى، وتقدير المحذوف، فدعا موسى ربه فأجابه، قالَ اهْبِطُوا. وتقدّم معنى الهبوط، ويقال : هبط الوادي : حل به، وهبط منه : خرج، وكان القادم على بلد ينصبّ عليه.
وقرىء اهبطوا، بضم الباء، وهما لغتان، والأفصح الكسر، والجمهور على صرف مصرا هنا. وقرأ الحسن وطلحة والأعمش وأبان بن تغلب : بغير تنوين، وبين كذلك في مصحف أبي بن كعب، ومصحف عبد اللّه، وبعض مصاحف عثمان. فأما من صرف فإنه يعني مصرا من الأمصار غير معين، واستدلوا بالأمر بدخول القرية، وبأنهم سكنوا الشام بعد التيه، وبأن ما سألوه من البقل وغيره لا يكون إلا في الأمصار، وهذا قول قتادة والسدي ومجاهد وابن زيد. وقيل : هو مصر غير معين لكنه من أمصار الأرض المقدسة، بدليل :
(١) سورة الأعراف : ٧/ ٢٤.