البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٧١
ابتداء، وإخراجهم خبر. انتهى ما نقله في هذا القول. والمنقول عن الكوفيين عكس هذا الإعراب، وهو أن يكون الفصل قد قدم مع الخبر على المبتدأ، فإعراب محرم عندهم خبر مقدم، وإخراجهم مبتدأ، وهو المناسب للقواعد، إذ لا يبتدأ بالاسم إذا كان نكرة، ولا مسوغ لها، ويكون الخبر معرفة، بل المستقر في لسانهم عكس هذا، إلا إن كان يرد في شعر، فيسمع ولا يقاس عليه. قال ابن عطية : وقيل هو الضمير المقدّر في محرم قدم وأظهر. انتهى ما نقله في هذا القول. وهذا القول ضعيف جدا، إذ لا موجب لتقدّم الضمير، ولا لبروزه بعد استتاره، ولأنه يؤدّي إلى خلو اسم المفعول من ضمير، إذ على هذا القول يكون محرّم خبرا مقدّما، وإخراجهم مبتدأ، ولا يوجد اسم فاعل ولا مفعول عاريا من الضمير، إلا إذا رفع الظاهر. ولا يمكن هنا أن يرفع الظاهر، لأن الضمير المنفصل المقدم هو كان الضمير المرفوع بمحرم، ثم يبقى هذا الضمير لا يدري ما إعرابه، إذ لا جائز أن يكون مبتدأ، ولا جائز أن يكون فاعلا مقدّما. قال ابن عطية : وقيل هو ضمير الإخراج، تقديره : وإخراجهم محرم عليكم. انتهى ما نقله في هذا القول، ولم يبين وجه ارتفاع إخراجهم، ولا يتأتى على أن يكون هو ضميره، ويكون إخراجهم تفسيرا لذلك المضمر، إلا على أن يكون إخراجهم بدلا من الضمير. وقد تقدم أن في ذلك خلافا، منهم من أجاز ومنهم من منع.
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ : هذا استفهام معناه التوبيخ والإنكار.
ولم يذمّهم على الفداء، بل على المناقضة، إذ أتوا ببعض الواجب، وتركوا بعضا. وتكون المناقضة آكد في الذمّ، ولا يقال الإخراج معصية. فلم سماها كفرا؟ لأنا نقول : لعلهم صرّحوا بأن ترك الإخراج غير واجب، مع أن صريح التوراة كان دالا على وجوبه. والبعض الذي آمنوا به، إن كان المراد بالكتاب التوراة، فيكون عامّا فيما آمنوا به من أحكامها، وفداء الأسير من جملته. والبعض الذي كفروا به : هو قتل بعضهم بعضا، وإخراج بعضهم من ديارهم، والمظاهرة بالإثم والعدوان، من جملة ما كفروا به من التوراة. وقيل : معناه يستعملون البعض ويتركون البعض، تفادون أسرى قبيلتكم، وتتركون أسرى أهل ملتكم ولا تفادونهم. وقيل : إن عبد اللّه بن سلام مرّ على رأس الجالوت بالكوفة، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه الحرب، ولا يفادي من وقع عليه الحرب. قال : فقال ابن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلهنّ. وقال مجاهد : معناه إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك. وقيل : المراد التنبيه على أنهم في تمسكهم بنبوّة موسى، على