البحر المحيط، ج ١، ص : ٥٥٥
كما لهم آلهة. ويحتمل أن تكون هذه كلها أسبابا في نزول هذه الآية، وقد طولنا بذكر هذه الأسباب، وذلك بخلاف مقصدنا في هذا الكتاب.
وأم : هنا منقطعة، وتتقدر المنقطعة ببل والهمزة، فالمعنى : بل أتريدون، فبل تفيد الإضراب عما قبله، ومعنى الإضراب هنا : هو الانتقال من جملة إلى جملة، لا على سبيل إبطال الأولى. وقد تقدّم قول من جعل أم هنا معادلة للاستفهام الأول. وقد بينا ضعف ذلك. وقالت فرقة : أم استفهام مقطوع من الأول، كأنه قال : أتريدون. وهذان القولان ضعيفان. والذي تقرر أن أم تكون متصلة ومنفصلة. فالمتصلة : شرطها أن يتقدّمها لفظ همزة الاستفهام، وأن يكون بعدها مفرد، أو في تقدير المفرد. والمنفصلة : ما انخرم الشرطان فيها أو أحدهما، ويتقدر إذ ذاك ببل والهمزة معا، وأما مجيئها مرادفة للهمزة فقط، أو مرادفة لبل فقط، أو زائدة، فأقوال ضعيفة. وعلى الخلاف في المخاطبين، يجيء الكلام في قوله : رَسُولَكُمْ. فإن كان الخطاب للمؤمنين، وهو قول الأصم والجبائي وأبي مسلم، فيكون رسولكم جاء على ما في نفس الأمر، وعلى ما أقروا به من رسالته. وإن كان الخطاب للكفار، كانت إضافة الرسول إليهم على حسب الأمر في نفسه، لا على إقرارهم به. ورجح كون الخطاب للمؤمنين بقوله : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ، وهذا الكلام لا يصح إلا في حق المؤمن، وبأنه معطوف على قوله : لا تَقُولُوا راعِنا، أي هل تفعلون ما أمرتم، أم تريدون؟ ورجح أنهم اليهود، لأنه سبق الكلام في الحكايات عنهم ما قالوا، ولأن المؤمن بالرسول لا يكاد يسأله ما يكون كفرا.
كما سئل : الكاف في موضع نصب، فعلى رأي سيبويه : على الحال، وعلى المشهور من مذاهب المعربين : نعت لمصدر محذوف، فيقدر على قولهم : سؤالا كما سئل، ويقدر على رأي سيبويه : أن تسألوه، أي السؤال كما سئل، وما مصدرية التقدير كسؤال. وأجاز الحوفي أن تكون ما موصولة بمعنى الذي، التقدير : الذي سئله موسى.
وقرأ الجمهور : وسيل. وقرأ الحسن وأبو السمال : بكسر السين وياء. وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري : بإشمام السين وياء. وقرأ بعض القراء : بتسهيل الهمزة بين بين وضم السين.
وهذه القراءات مبنية على اللغتين في سأل، وهو أن تكون الهمزة مقرة مفتوحة، فتقول سأل.
فعلى هذه اللغة تكون قراءة الجمهور، وقراءة من سهل الهمز بين بين. واللغة الثانية أن تكون عين الكلمة واوا، وتكون على فعل بكسر العين فتقول : سلت أسال، كخفت أخاف، أصله : سولت. وعلى هذه اللغة تكون قراءة الحسن، وقراءة من أشم. وتخريج