البحر المحيط، ج ١، ص : ٥٧٤
خرابا، كما جعل التعاهد بالذكر والصلاة عمارة، وذلك مجاز. وقال المروزي : قال ومن أظلم ليعلم أن قبح الاعتقاد يورث تخريب المساجد، كما أن حسن الاعتقاد يورث عمارة المساجد.
أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ : هذه جملة خبرية قالوا تدلّ على ما يقع في المستقبل، وذلك من معجز القرآن، إذ هو من الإخبار بالغيب. وفيها بشارة للمؤمنين بعلوّ كلمة الإسلام وقهر من عاداه. إلا خائفين : نصب على الحال، وهو استثناء مفرّغ من الأحوال. وقرأ أبي : إلا خيفا، وهو جمع خائف، كنائم ونوّم، ولم يجعلها فاصلة، فلذلك جمعت جمع التكسير. وإبدال الواو ياء، إذ الأصل خوّف، وذلك جائز كقولهم، في صوم صيم، وخوفهم : هو ما يلحقهم من الصغار والذل والجزية، أو من أن يبطش بهم المؤمنون، أو في المحاكمة، وهي تتضمن الخوف، أو ضربا موجعا، لأن النصارى لا يدخلون بيت المقدس إلا خائفين من الضرب، أقوال. والظاهر أن المعنى :
أولئك ما ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد اللّه إلا وهم خائفون من اللّه وجلون من عقابه.
فكيف لهم أن يلتبسوا بمنعها من ذكر اللّه والسعي في تخريبها، إذ هي بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ؟ وما هذه سبيله ينبغي أن يعظم بذكر اللّه فيه، ويسعى في عمارته، ولا يدخله الإنسان إلا وجلا خائفا، إذ هو بيت اللّه أمر بالمثول فيه بين يديه للعبادة. ونظير الآية أن يقول : ومن أظلم ممن قتل وليا للّه تعالى؟ ما كان له أن يلقاه إلا معظما له مكرّما أي هذه حالة من يلقى وليا للّه، لا أن يباشره بالقتل.
ففي ذلك تقبيح عظيم على ما وقع منه، إذ كان ينبغي أن يقع ضده، وهو التبجيل والتعظيم. ولما لم يقع هذا المعنى الذي ذكرناه للمفسرين، اختلفوا في الآية على تلك الأقوال التي ذكرناها عنهم. ولو أريد ما ذكروه، لكان اللفظ : أولئك ما يدخلونها إلا خائفين، ولم يأت بلفظ : ما كان لهم، الدالة على نفي الابتغاء. وقيل المعنى : ما كان لهم في حكم الله، يعني أن اللّه قد حكم وكتب في اللوح المحفوظ أنه ينصر المؤمنين ويقوّيهم حتى لا يدخل المساجد الكفار إلا خائفين. قال بعض الناس : وفيها دلالة على جواز دخول الكفار المساجد على صفة الخوف، وليس كما قال، إذ قد ذكرنا ما دلّ عليه ظاهر الآية.
وقيل في قوله : أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها : أن لفظه لفظ الخبر، ومعناه الأمر لنا بأن نخيفهم، وإنما ذهب إلى ذلك لأن اللّه تعالى قد أخبر أنهم سيدخلون بيت المقدس على سبيل القهر والغلبة بقوله : فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما