البحر المحيط، ج ١، ص : ٥٨٤
المقدورات، عالما مع تأخر وقوع المعلومات. وكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن، وكلّ ما استند إلى اللّه من قدرة وعلم فهو قديم لم يزل. انتهى ما نقلناه هنا من كلامه. وقال المهدوي : وَإِذا قَضى أَمْراً، أي أتقنه وأحكمه وفرغ منه. ومعنى : فإنما يقول له كن فيكون، يقول من أجله.
وقيل : قال له كن، وهو معدوم، لأنه بمنزلة الموجود، إذ هو عنده معلوم. قال الطبري :
أمره للشيء بكن لا يتقدّم الوجود ولا يتأخر عنه، فلا يكون الشيء مأمورا بالوجود إلا وهو موجود بالأمر، ولا موجودا بالأمر إلا وهو مأمور بالوجود. قال : ونظيره قيام الأموات من قبورهم لا يتقدّم دعاء اللّه ولا يتأخر عنه، كما قال : ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ «١». فالهاء في له تعود على الأمر، أو على القضاء الذي دلّ عليه قضى، أو على المراد الذي دلّ عليه الكلام. انتهى ما نقلناه من كتابه. وقال مكي : معنى الآية أنه عالم بما سيكون وما هو كائن، فقوله : كن، إنما هو للموجود في علمه ليخرجه إلى العيان لنا. انتهى كلامه. وقال الزمخشري : كن فيكون، من كان التامة، أي أحدث فيحدث، وهذا مجاز من الكلام وتمثيل ولا قول، ثم كما لا قول في قوله :
إذ قالت الأنساع للبطن الحق وإنما المعنى : ما قضاه من الأمور وأراد كونه، فإنما يتكوّن ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف. كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل، لا يتوقف ولا يمتنع، ولا يكون منه الإباء. أكد بهذا استبعاد الولادة، لأن من كان بهذه الصفة من القدرة، كانت حاله مباينة لأحوال الأجسام في توالدها. انتهى كلامه. وقال السجاوندي : كن على التمثيل لنفاذ الأمر، قال :
فقالت له العينان سمعا وطاعة وإلا فالمعدوم كيف يخاطب
أو علامة للملائكة بحدوث الموجود، أو على تقدير ما تصوّر كونه في علمه، أو مخصوص في تحويل الموجود من حال إلى حال، ولو كان كن مخلوقا، لاحتاج إلى أخرى ولا يتناهى، فدلّ على أن القرآن غير مخلوق. انتهى كلامه. قال المهدوي : وفي هذه الآية دليل على أن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه لو كان مخلوقا لكان قائلا له : كن، ولكان قائلا : لكن كن، حتى ينتهي ذلك إلى ما لا يتناهى، وذلك مستحيل ما ما يؤدّي إليه ذلك
(١) سورة الروم : ٣٠/ ٢٥.