البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٤٨
كلا منهم يدعي اتباع إبراهيم، وهو على الشرك، قاله الزمخشري. فإشراك اليهود بقولهم :
عزير ابن اللّه، وإشراك النصارى بقولهم : الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وإشراك غيرهما بعبادة الأوثان وغيرها.
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ الآية،
خرج البخاري، عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
«لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، ولكن قولوا آمنا باللّه وما أنزل إلينا الآية، فإن كان حقا لم تكذبوه وإن كان كذبا لم تصدّقوه».
والضمير في قوله : قُولُوا، عائد على الذين قالوا : كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى. أمروا بأن يكونوا على الحق، ويصرحوا به. ويجوز أن يعود على المؤمنين، وهو أظهر. وارتبطت هذه الآية بما قبلها، لأنه لما ذكر في قوله : بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، جوابا إلزاميا، وهو أنهم : وما أمروا باتباع اليهودية والنصرانية، وإنما كان ذلك منهم على سبيل التقليد. هذا، وكل طائفة منهما تكفر الأخرى، أجيبوا بأن الأولى في التقليد اتباع ابراهيم، لأنهم، أعني الطائفتين المختلفتين، قد اتفقوا على صحة دين إبراهيم. والأخذ بالمتفق أولى من الأخذ بالمختلف فيه، إن كان الدين بالتقليد. فلما ذكر هنا جوابا إلزاميا، ذكر بعده برهانا في هذه الآية، وهو ظهور المعجزة عليهم بإنزال الآيات.
وقد ظهرت على يد محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجب الإيمان بنبوّته. فإن تخصيص بعض بالقبول وبعض بالرّدّ، يوجب التناقض في الدليل، وهو ممتنع عقلا.
وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا : إن كان الضمير في قولوا للمؤمنين، فالمنزل إليهم هو القرآن، وصح نسبة إنزاله إليهم، لأنهم فيه هم المخاطبون بتكاليفه من الأمر والنهي وغير ذلك، وتعدية أنزل بإلى، دليل على انتهاء المنزل إليهم. وإن كان الضمير في قولوا عائدا على اليهود والنصارى، فالمنزل إلى اليهود : التوراة، والمنزل إلى النصارى : الإنجيل، ويلزم من الإيمان بهما، الإيمان برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ويصح أن يراد بالمنزل إليهم : القرآن، لأنهم أمروا باتباعه، وبالإيمان به، وبمن جاء على يديه.
وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ : الذي أنزل على إبراهيم عشر صحائف. قال : إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى «١»، وكرر الموصول، لأن المنزل إلينا، وهو القرآن، غير تلك الصحائف التي أنزلت على إبراهيم. فلو حذف الموصول، لأوهم

_
(١) سورة الأعلى : ٨٧/ ١٨ - ١٩.


الصفحة التالية
Icon