البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٨
منه، قاله الكلبي أو كلمة التوحيد وما جاء به محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، قاله الضحاك، أو علم الوحي، قاله ابن عباس، وزر بن حبيش، وابن جريج، وابن وافد، أو أمر الآخرة، قاله الحسن، أو ما غاب من علوم القرآن، قاله عبد اللّه بن هانئ، أو اللّه عز وجل، قاله عطاء، وابن جبير، أو ما غاب عن الحواس مما يعلم بالدلالة، قاله ابن عيسى، أو القضاء والقدر، أو معنى بالغيب بالقلوب، قاله الحسن أو ما أظهره اللّه على أوليائه من الآيات والكرامات، أو المهدي المنتظر، قاله بعض الشيعة، أو متعلق بما
أخبر به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من تفسير الإيمان حين سئل عنه وهو : اللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر
، خيره وشره، وإياه نختار لأنه شرح حال المتقين بأنهم الذين يؤمنون بالغيب.
والإيمان المطلوب شرعا هو ذاك، ثم إن هذا تضمن الاعتقاد القلبي، وهو الإيمان بالغيب، والفعل البدني، وهو الصلاة، وإخراج المال. وهذه الثلاثة هي عمد أفعال المتقي، فناسب أن يشرح الغيب بما ذكرنا، وما فسر به الإقامة قبل يصلح أن يفسر به قوله :
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وقالوا : وقد يعبر بالإقامة عن الأداء، وهو فعلها في الوقت المحدود لها، قالوا : لأن القيام بعض أركانها، كما عبر عنه بالقنوت، والقنوت القيام بالركوع والسجود. قالوا :
سبح إذا صلى لوجود التسبيح فيها، فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، قاله الزمخشري ولا يصح إلا بارتكاب مجاز بعيد، وهو أن يكون الأصل قامت الصلاة بمعنى أنه كان منها قيام ثم دخلت الهمزة للتعدية فقلت : أقمت الصلاة، أي جعلتها تقوم، أي يكون منها القيام، والقيام حقيقة من المصلي لا من الصلاة، فجعل منها على المجاز إذا كان من فاعلها. والصلاة هنا الصلوات الخمس، قاله مقاتل : أو الفرائض والنوافل، قاله الجمهور.
والرزق قيل : هو الحلال، قاله أصحابنا، لكن المراد هنا الحلال لأنه في معرض وصف المتقي. ومن كتبت متصلة بما محذوفة النون من الخط، وكان حقها أن تكون منفصلة لأنها موصولة بمعنى الذي، لكنها وصلت لأن الجار والمجرور كشيء واحد، ولأنها قد أخفيت نون من في اللفظ فناسب حذفها في الخط، وهنا للتبعيض، إذ المطلوب ليس إخراج جميع ما رزقوا لأنه منهي عن التبذير والإسراف. والنفقة التي في الآية هي الزكاة الواجبة، قاله ابن عباس، أو نفقة العيال، قاله ابن مسعود وابن عباس أو التطوع قبل فرض الزكاة، قاله الضحاك معناه، أو النفقة في الجهاد أو النفقة التي كانت واجبة قبل وجوب الزكاة، وقالوا إنه كان الفرض على الرجل أن يمسك مما في يده بمقدار كفايته في يومه وليلته ويفرق باقيه على الفقراء، ورجح كونها الزكاة المفروضة لاقترانها بأختها الصلاة في عدة مواضع من


الصفحة التالية
Icon