البحر المحيط، ج ١، ص : ٩١
أَزْواجِنا «١»، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه، إن شاء اللّه تعالى. وأورد بعضهم قراءة من قرأ في الشاذ : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ بضم الهمزة متخيلا أنه مما بدىء فيه بالحمل على المعنى، وسيأتي الكلام عليه في موضعه. ولا يجيز الكوفيون الجمع بين الجملتين إلا بفاصل بينهما، ولم يعتبر البصريون الفاصل، قال ابن عصفور، ولم يرد السماع إلا بالفصل، كما ذهب الكوفيون إليه، وليس ما ذكر بصحيح، ألا ترى قوله تعالى : وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى »
؟ فحمل على اللفظ في كان، إذ أفرد الضمير وجاء الخبر على المعنى، إذ جاء جمعا ولا فصل بين الجملتين، وإنما جاء أكثر ذلك بالفصل لما فيه من إزالة قلق التنافر الذي يكون بين الجملتين.
وقراءة الجمهور : يخادعون اللّه، مضارع خادع. وقرأ عبد اللّه وأبو حياة يخدعون اللّه، مضارع خدع لمجرد، ويحتمل قوله : يُخادِعُونَ اللَّهَ أن يكون مستأنفا، كأن قائلا يقول : لم يتظاهرون بالإيمان وليسوا بمؤمنين في الحقيقة؟ فقيل : يخادعون، ويحتمل أن يكون بدلا من قوله : يقول آمنا، ويكون ذلك بيانا، لأن قولهم : آمنا وليسوا بمؤمنين في الحقيقة مخادعة، فيكون بدل فعل من فعل لأنه في معناه، وعلى كلا الوجهين لا موضع للجملة من الإعراب. ويحتمل أن تكون الجملة في موضع الحال، وذو الحال الضمير المستكن في يقول، أي : ومن الناس من يقول آمنا، مخادعين اللّه والذين آمنوا. وجوّز أبو البقاء أن يكون حالا، والعامل فيها اسم الفاعل الذي هو : بمؤمنين، وذو الحال : الضمير المستكن في اسم الفاعل. وهذا إعراب خطأ، وذلك أن ما دخلت على الجملة فنفت نسبة الإيمان إليهم، فإذا قيدت تلك النسبة بحال تسلط النفي على تلك الحال، وهو القيد، فنفته، ولذلك طريقان في لسان العرب : أحدهما : وهو الأكثر أن ينتفي ذلك القيد فقط، ويكون إذ ذاك قد ثبت العامل في ذلك القيد، فإذا قلت : ما زيد أقبل ضاحكا فمفهومه نفي الضحك ويكون قد أقبل غير ضاحك، وليس معنى الآية على هذا، إذ لا ينفي عنهم الخداع فقط، ويثبت لهم الإيمان بغير خداع، بل المعنى : نفي الإيمان عنهم مطلقا.
والطريق الثاني : وهو الأقل، أن ينتفي القيد وينتفي العامل فيه، فكأنه قال في المثال السابق : لم يقبل زيد ولم يضحك : أي لم يكن منه إقبال ولا ضحك. وليس معنى الآية على هذا، إذ ليس المراد نفي الإيمان عنهم ونفي الخداع.
(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٣٩.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١١١. [.....]