البحر المحيط، ج ١، ص : ٩٦
من المعاني السببية التي تحصل في القلب سبعة وعشرون مرضا، وهي : الرين، والزيغ، والطبع، والصرف، والضيق، والحرج، والختم، والإقفال، والإشراب، والرعب، والقساوة، والإصرار، وعدم التطهير، والنفور، والاشمئزاز، والإنكار، والشكوك، والعمى، والإبعاد بصيغة اللعن، والتأبى، والحمية، والبغضاء، والغفلة، والغمزة، واللهو، والارتياب، والنفاق. وظاهر آيات القرآن تدل على أن هذه الأمراض معان تحصل في القلب فتغلب عليه، وللقلب أمراض غير هذه من الغل والحقد والحسد، ذكرها اللّه تعالى مضافة إلى جملة الكفار. والزيادة تجاوز المقدار المعلوم، وعلم اللّه محيط بما أضمروه من سوء الاعتقاد والبغض والمخادعة، فهو معلوم عنده، كما قال تعالى : وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ «١»، وفي كل وقت يقذف في قلوبهم من ذلك القدر المعلوم شيئا معلوم المقدار عنده، ثم يقذف بعد ذلك شيئا آخر، فيصير الثاني زيادة على الأول، إذا لو لم يكن الأول معلوم المقدار لما تحققت الزيادة، وعلى هذا المعنى يحمل : فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ «٢». وزيادة المرض إما من حيث أن ظلمات كفرهم تحل في قلوبهم شيئا فشيئا، وإلى هذا أشار بقوله تعالى : ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ «٣»، أو من حيث أن المرض حصل في قلوبهم بطريق الحسد أو الهم، بما يجدد اللّه سبحانه لدينه من علو الكلمة ولرسوله وللمؤمنين من النصر ونفاذ الأمر، أو لما يحصل في قلوبهم من الرعب، وإسناد الزيادة إلى اللّه تعالى إسناد حقيقي بخلاف الإسناد في قوله تعالى : فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ، أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً «٤».
وقالت المعتزلة : لا يجوز أن تكون زيادة المرض من جنس المزيد عليه، إذ المزيد عليه هو الكفر، فتأولوا ذلك على أن يحمل المرض على الغم لأنهم كانوا يغتمون بعلو أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أو على منع زيادة الألطاف، أو على ألم القلب، أو على فتور النية في المحاربة لأنهم كانت أولا قلوبهم قوية على ذلك، أو على أن كفرهم كان يزداد بسبب ازدياد التكليف من اللّه تعالى. وهذه التأويلات كلها إنما تكون إذا كان قوله : فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً خبرا، وإما إذا كان دعاء فلا، بل يحتمل أن يكون الدعاء حقيقة فيكون دعاء بوقوع زيادة المرض، أو مجازا فلا تقصد به الإجابة لكون المدعو به واقعا، بل المراد به السب
(١) سورة الرعد : ١٣/ ٨.
(٢) سورة التوبة : ٩/ ١٢٥.
(٣) سورة النور : ٢٤/ ٤٠.
(٤) سورة التوبة : ٩/ ١٢٤.