البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١١٢
وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ : أن يفرح الفرح المؤدي إلى البطر المنهي عنه في قوله تعالى : لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ «١»، فإن الحزن قد ينشأ عنه البطر، ولذلك ختم بقوله : وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. فالفرح بما ناله من حطام الدنيا يلحقه في نفسه الخيلاء والافتخار والتكبر على الناس، فمثل هذا هو المنهي عنه. وأما الحزن على ما فات من طاعة اللّه، والفرح بنعم اللّه والشكر عليها والتواضع، فهو مندوب إليه.
وقال ابن عباس : ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا، ومن أصاب خيرا جعله شكرا. انتهى، يعني هو المحمود. وقال الزمخشري : فإن قلت : فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح.
قلت : المراد : الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر، والتسليم لأمر اللّه تعالى، ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغي الملهي عن الشكر. فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة اللّه والاعتداد بها مع الشكر، فلا بأس به.
انتهى. وقرأ الجمهور : بما آتاكم : أي أعطاكم وعبد اللّه : أوتيتم، مبنيا للمفعول : أي أعطيتم وأبو عمرو : أتاكم : أي جاءكم.
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ : أي هم الذين يبخلون، أو يكون الذين مبتدأ محذوف الخبر على جهة الإبهام تقديره : مذمومون، أو موعودون بالعذاب، أو مستغنى عنهم، أو على إضمار، أعني فهو في موضع نصب، أو في موضع نصب صفة لكل مختال، وإن كان نكرة، فهو مخصص نوعا ما، فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة. قال ابن عطية : هذا مذهب الأخفش.
انتهى.
عظمت الدنيا في أعينهم، فبخلوا أن يؤدوا منها حقوق اللّه تعالى، وما كفاهم ذلك حتى أمروا الناس بالبخل ورغبوهم في الإمساك، والظاهر أنهم أمروا الناس حقيقة. وقيل :
كانوا قدوة فيه، فكأنهم يأمرون به. وَمَنْ يَتَوَلَّ عن ما أمر اللّه به. وقرأ الجمهور : فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ وقرأ نافع وابن عامر : بإسقاط هو، وكذا في مصاحف المدينة والشام، وكلتا القراءتين متواترة. فمن أثبت هو، فقال أبو علي الفارسي : يحسن أن يكون فصلا، قال :
ولا يحسن أن يكون ابتداء، لأن حذف الابتداء غير سائغ. انتهى. يعني أنه في القراءة الأخرى حذف، ولو كان مبتدأ لم يجز حذفه، لأنك إذا قلت : إن زيدا هو الفاضل،