البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١١٦
مخلوقة له. وهذا الإعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية، لأن مثل هذا هو مما يجوز فيه الرفع بالابتداء، ولا يجوز الابتداء هنا بقوله : وَرَهْبانِيَّةً، لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة.
وروي في ابتداعهم الرهبانية أنهم افترقوا ثلاث فرق : ففرقة قاتلت الملوك على الدين فغلبت وقتلت وفرقة قعدت في المدن يدعون إلى الدين ويبينونه ولم تقاتل، فأخذها الملوك ينشرونهم بالمناشير فقتلوا، وفرقة خرجت إلى الفيافي، وبنت الصوامع والديارات، وطلبت أن تسلم على أن تعتزل فتركت. والرهبانية : الفعلة المنسوبة إلى الرهبان، وهو الخائف بني فعلان من رهب، كالخشيان من خشي. وقرىء : ورهبانية بالضم. قال الزمخشري : كأنها نسبة إلى الرهبان، وهو جمع راهب، كراكب وركبان. انتهى. والأولى أن يكون منسوبا إلى رهبان وغير بضم الراء، لأن النسب باب تغيير. ولو كان منسوبا إلى رهبان الجمع لرد إلى مفرده، فكان يقال : راهبية، إلا إن كان قد صار كالعلم، فإنه ينسب إليه على لفظه كالأنصار. والظاهر أن إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللّه استثناء متصل من ما هو مفعول من أجله، وصار المعنى : أنه تعالى كتبها عليهم ابتغاء مرضاته، وهذا قول مجاهد، ويكون كتب بمعنى قضى. وقال قتادة وجماعة : المعنى : لم يفرضها عليهم، ولكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان اللّه تعالى، فالاستثناء على هذا منقطع، أي لكن ابتدعوها لابتغاء رضوان اللّه تعالى. والظاهر أن الضمير في رَعَوْها عائد على ما عاد عليه في ابْتَدَعُوها، وهو ضمير الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، أي لم يرعوها كما يجب على الناذر رعاية نذره، لأنه عهد مع اللّه لا يحل نكثه. وقال نحوه ابن زيد، قال : لم يدوموا على ذلك، ولا وفوه حقه، بل غيروا وبدلوا، وعلى تقدير أن فيهم من رعى يكون المعنى : فما رعوها بأجمعهم. وقال ابن عباس وغيره : الضمير للملوك الذين حاربوهم وأجلوهم. وقال الضحاك وغيره : الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها. فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا :
وهم أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ : وهم الذين لم يرعوها.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : الظاهر أنه نداء لمن آمن من أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فمعنى آمنوا :
دوموا واثبتوا، وهكذا المعنى في كل أمر يكون المأمور ملتبسا بما أمر به. يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ، قال أبو موسى الأشعري : كفلين : ضعفين بلسان الحبشة. انتهى، والمعنى : أنه يؤتكم مثل ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله : أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ