البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٥٣
الضمير في تُلْقُونَ : أي توادونهم، وهذه حالهم، وهي الكفر باللّه، ولا يناسب الكافر باللّه أن يودّ. وأجاز الزمخشري أن يكون حالا من فاعل لا تَتَّخِذُوا.
وقرأ الجمهور : بِما جاءَكُمْ، والجحدري والمعلى عن عاصم : لما باللام مكان الباء، أي لأجل ما جاءكم. يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ : استئناف، كالتفسير لكفرهم، أو حال من ضمير كَفَرُوا، وَإِيَّاكُمْ : معطوف على الرسول. وقدّم على إياكم الرسول لشرفه، ولأنه الأصل للمؤمنين به. ولو تقدّم الضمير لكان جائزا في العربية، خلافا لمن خص ذلك بالضرورة، قال : لأنك قادر على أن تأتي به متصلا، فلا تفصل إلا في الضرورة، وهو محجوج بهذه الآية وبقوله تعالى : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ «١» وإياكم أن اتقوا اللّه، وقدّم الموصول هنا على المخاطبين للسبق في الزمان وبغير ذلك من كلام العرب. وأَنْ تُؤْمِنُوا مفعول من أجله، أي يخرجون لإيمانكم أو كراهة إيمانكم، إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ : شرط جوابه محذوف لدلالة ما تقدّم عليه، وهو قوله : لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي، ونصب جهادا وابتغاء على المصدر في موضع الحال، أي مجاهدين ومبتغين، أو على أنه مفعول من أجله. تُسِرُّونَ : استئناف، أي تسرون وقد علمتم أني أعلم الإخفاء والإعلان، وأطلع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك، فلا طائل في فعلكم هذا. وقال ابن عطية : تُسِرُّونَ بدل من تُلْقُونَ. انتهى، وهو شبيه ببدل الاشتمال، لأن الإلقاء يكون سرا وجهرا، فهو ينقسم إلى هذين النوعين. وأجاز أيضا أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنتم تسرون. والظاهر أن أَعْلَمُ أفعل تفضيل، ولذلك عداه بالباء. وأجاز ابن عطية أن يكون مضارعا عدى بالباء قال : لأنك تقول علمت بكذا. وَأَنَا أَعْلَمُ : جملة حالية، والضمير في وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ، الظاهر أنه إلى أقرب مذكور، أي ومن يفعل الأسرار. وقال ابن عطية : يعود على الاتخاذ، وانتصب سواء على المفعول به على تقدير تعدى ضل، أو على الظرف على تقدير اللزوم، والسواء : الوسط.
ولما نهى المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء، وشرح ما به الولاية من الإلقاء بالمودة بينهم، وذكر ما صنع الكفار بهم أولا من إخراج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين، ذكر صنيعهم آخرا لو قدروا عليه من أنه إن تمكنوا منكم تظهر عداوتهم لكم، ويبسطوا أيديهم بالقتل والتعذيب، وألسنتهم بالسب وودوا لو ارتددتم عن دينكم الذي هو أحب الأشياء إليكم، وهو سبب إخراجهم إياكم. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف أورد جواب الشرط مضارعا

(١) سورة النساء : ٤/ ١٣١.


الصفحة التالية
Icon