البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٥٤
مثله، ثم قال وَوَدُّوا بلفظ الماضي؟ قلت : الماضي، وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب، فإنه فيه نكتة كأنه قيل : وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا. انتهى. وكأن الزمخشري فهم من قوله : وَوَدُّوا أنه معطوف على جواب الشرط، فجعل ذلك سؤالا وجوابا. والذي يظهر أن قوله : وَوَدُّوا ليس على جواب الشرط، لأن ودادتهم كفرهم ليست مترتبة على الظفر بهم والتسلط عليهم، بل هم وادون كفرهم على كل حال، سواء أظفروا بهم أم لم يظفروا، وإنما هو معطوف على جملة الشرط والجزاء، أخبر تعالى بخبرين : أحدهما اتضاح عداوتهم والبسط إليهم ما ذكر على تقدير الظفر بهم، والآخر ودادتهم كفرهم، لا على تقدير الظفر بهم.
ولما كان حاطب قد اعتذر بأن له بمكة قرابة، فكتب إلى أهلها بما كتب ليرعوه في قرابته، قال تعالى : لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ : أي قراباتكم الذين توالون الكفار من أجلهم، وتتقربون إليهم محاماة عليهم. ويوم معمول لينفعكم أو ليفصل. وقرأ الجمهور يَفْصِلُ بالياء مخففا مبنيا للمفعول. وقرأ الأعرج وعيسى وابن عامر : كذلك إلا أنه مشدد، والمرفوع، إما بَيْنَكُمْ، وهو مبني على الفتح لإضافته إلى مبني، وإما ضمير المصدر المفهوم من يفصل، أي يفصل هو، أي الفصل. وقرأ عاصم والحسن والأعمش : يفصل بالياء مخففا مبنيا للفاعل وحمزة والكسائي وابن وثاب : مبنيا للفاعل بالياء مضمومة مشددا وأبو حيوة وابن أبي عبلة : كذلك إلا أنه بالنون مشددا وهما أيضا وزيد بن علي : بالنون مفتوحة مخففا مبنيا للفاعل وأبو حيوة أيضا : بالنون مضمومة، فهذا ثماني قراءات.
ولما نهى عن موالاة الكفار، ذكر قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأن من سيرته التبرؤ من الكفار ليقتدوا به في ذلك ويتأسوا. وقرأ الجمهور : إسوة بكسر الهمزة، وعاصم بضمها، وهما لغتان. وَالَّذِينَ مَعَهُ، قيل : من آمن به. وقال الطبري وغيره : الأنبياء معاصروه، أو كانوا قريبا من عصره، لأنه لم يرو أنه كان له أتباع مؤمنون في مكافحته لهم ولنمروذ. ألا تراه قال لسارة حين رحل إلى الشام مهاجرا من بلد نمروذ : ما على الأرض من يعبد اللّه غيري وغيرك؟ والتأسي بإبراهيم عليه السلام هو في التبرؤ من الشرك، وهو في كل ملة وبرسولنا عليه الصلاة والسلام على الإطلاق في العقائد وأحكام الشرع. وقرأ الجمهور بُرَآؤُا جمع بريء، كظريف وظرفاء وعيسى : براء جمع بريء أيضا،


الصفحة التالية
Icon